دور الشباب في عملية التغيير المجتمعي

دور الشباب في عملية التغيير المجتمعي
المصدر: وكالة الإنباء والمعلومات الفلسطينية
مقدمة:
أصبح العمل مع الشباب على أساس تخصصي، واحداً من الاتجاهات الرئيسية التي بدأت تشق طريقها في غالبية البلدان والمجتمعات، والتي تستهدف صقل الشخصية الشبابية، وإكسابها المهارات، والخبرات العلمية والعملية، وتأهيلها التأهيل المطلوب لضمان تكيفها السليم مع المستجدات، وتدريب القادة الشباب في مختلف الميادين المجتمعية، لكن ما يجب الإشارة له هو أن هوة واسعة كانت ولا زالت قائمة بين الشباب في البلدان المتقدمة والشباب في البلدان الفقيرة والنامية؛ لأسباب تتعلق بالقدرات المالية وعدم توفر الخطط والبرامج الكافية للتأهيل والتنشئة والتربية، إضافة إلى أسباب داخلية تتعلق بالموروث العقائدي والاجتماعي وطبيعة القيم والعادات والتقاليد، وتركيبة المجتمع والعائلة ومستوى الانفتاح الاجتماعي، وطبيعة النظم السياسية القائمة، حيث تظافرت كل تلك العوامل لتحد من دور الشباب في البلدان الفقيرة وتفاقم الأزمات المستشرية في أوساط الشباب: كالبطالة، وسوء العناية الصحية، وتدني المستوى المعيشي، ونقص المؤسسات الراعية، ومراكز الترويح والترفيه. وهذا لا يعني البتة أن الشباب في الدول المتقدمة والغنية لا يعانون من مشاكل وأزمات رغم الوفرة في الإحصائيات والخدمات، ولكنها من نوع مختلف عما يعانيه الشباب في الدول الفقيرة.

وخلال العقدين الأخيرين، وبسبب التطورات العلمية والتقنية الهائلة، وثورة الاتصالات والإنترنت والفضائيات، ودخول العالم في مرحلة العولمة، كمنظومة ثقافية سياسية اقتصادية اجتماعية تعكس تحالف القوى الرأسمالية العالمية العملاقة؛ تفاقمت أزمات الشباب أكثر فأكثر في البلدان الفقيرة،؛ حيث بات الشباب يعاني من أزمة مزدوجة متولدة عن الأزمات المتوارثة، والمركبة القائمة أصلاً وأخرى ناتجة عن التأثيرات القادمة عبر الإنترنت والفضائيات، والتي تعكس ثقافة ومفاهيم مجتمعات أخرى غريبة، وتتحدث عن رفاهية خيالية نسبة لشباب البلدان الفقيرة؛ ما يهدد الشباب في هذه البلدان بأزمات جديدة جراء هذا المد العولمي.

* جدل حول السبل المفضلة لتربية الشباب:

ورغم التقدم الحاصل في العمل وسط الشباب بالمعنى النسبي، فما زال هناك نقاشات ووجهات نظر مختلفة مثارة حول السبل المفضلة للتربية، والتكيف السليم للشباب بما يضمن انخراطه في المجتمع، حيث لم تتوقف النقاشات بين علماء الاجتماع والتربية والناشطين في حقل الشباب والمنظمات الشبابية، حول أنجع وأفضل السبل لتنشئة الشباب وتربيته تربية متوازنة تضمن تكيفه الإيجابي مع ما يحصل من تطورات، وتحميه من التقوقع والانكفاء أو الانسحاب.

تتعدد المدارس التي أدلت بدلوها في هذا المجال؛ فمدرسة التربية الصحية والنفسية تركز على أهمية الرعاية النفسية والصحية للشباب، التي من خلالها يمكن حفظ توازن الشخصية، وعدم إصابتها بتشوهات خلال المرحلة الانتقالية من الطفولة إلى الشباب؛ باعتبارها مرحلة حرجة. ومدرسة التربية الرياضية التي ترى في التنشئة الرياضية للشباب أساساً سليماً للشخصية الشبابية المتفاعلة إيجابياً مع محيطها؛ فيما تغذي المدرسة العقلانية (التي تركز على التعليم المعزز بمنهج ديمقراطي) الروح وتنمي المدارك العقلية، شريطة أن تكون العملية التعليمية قائمة على أساس احترام العقل والقناعات، وليست عملية تلقينية ميكانيكية. أما المدرسة السياسية؛ فهي ترى أن التربية السياسية للشباب وزرع القيم والمثل الصحيحة، وصقل الشخصية بالممارسة واكتساب الخبرة وبناء الشخصية القيادية، تمثل مدخلاً منهجياً لبناء شخصية متوازنة وفاعلة، قادرة على تحمل الأعباء ومواجهة الصعاب، بما يحقق الآمال العريضة والكبيرة على الشباب.

في هذه الدراسة الأولية عن الشباب، سنركز على دور الشباب التغييري وأهميته في العمل المجتمعي وسنفرد حيزاً لبعض التعريفات والاصطلاحات وخصائص ومزايا الشباب.

* تعريف الشباب:

لا يوجد تعريف واحد للشباب، وهناك صعوبة في إيجاد تحديد واضح لهذا المفهوم. وعدم الاتفاق على تعريف موحد شامل، يعود لأسباب كثيرة أهمها اختلاف الأهداف المنشودة من وضع التعريف وتباين المفاهيم والأفكار العامة التي يقوم عليها التحليل السيكولوجي والاجتماعي الذي يخدم تلك الأهداف.

لذلك، فإن مفهوم الشباب يتسع للعديد من الاتجاهات التالية:

1. الاتجاه البيولوجي: وهذا الاتجاه يؤكد الحتمية البيولوجية باعتبارها مرحلة عمريه أو طور من أطوار نمو الإنسان، الذي فيه يكتمل نضجه العضوي الفيزيقي، وكذلك نضجه العقلي والنفسي والذي يبدأ من سن 15-25، وهناك من يحددها من 13-30.

2. الاتجاه السيكلوجي: يرى هذا الاتجاه أن الشباب حالة عمرية تخضع لنمو بيولوجي من جهة، ولثقافة المجتمع من جهة أخرى بدءاً من سن البلوغ، وانتهاء بدخول الفرد إلى عالم الراشدين الكبار، حيث تكون قد اكتملت عمليات التطبيع الاجتماعي. وهذا التعريف يحاول الدمج بين الاشتراطات العمرية والثقافة المكتسبة من المجتمع (الثابت والمتغير).

3. الاتجاه السوسيولوجي (الاجتماعي): ينظر هذا الاتجاه للشباب باعتباره حقيقة اجتماعية وليس ظاهرة بيولوجية فقط، بمعنى أن هناك مجموعة من السمات والخصائص إذا توافرت في فئة من السكان كانت هذه الفئة شباباً.

* خصائص وسمات الشباب:

تعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمر فيها الفرد، حيث تبدأ شخصيته بالتبلور. وتنضج معالم هذه الشخصية من خلال ما يكتسبه الفرد من مهارات ومعارف، ومن خلال النضوج الجسماني والعقلي، والعلاقات الاجتماعية التي يستطيع الفرد صياغتها ضمن اختياره الحر. وإذا كان معنى الشباب أول الشيء، فإن مرحلة الشباب تتلخص في أنها مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة وكبيرة.

أما سمات وخصائص الشباب في هذه المرحلة، فهي عديدة وإن كانت هناك خاصيتان أساسيتان للشباب بشكل عام وهما:

1. إن الشباب اجتماعي بطبعه، وهذا يعني الميل الطبيعي للانتماء لمجموعة اجتماعية يعطيها وتعطيه.

2. إن الشباب طاقة للتغيير والتشكيل.

أما الخصائص والمميزات الأخرى للشباب فهي:

1. طاقة إنسانية تتميز بالحماسة، الحساسية، الجرأة والاستقلالية وازدياد مشاعر القلق، والمثالية المنزهة عن المصالح  والروابط.

2. فضول وحب استطلاع، فهو يبدو دائم السؤال والاستفسار في محاولة لإدراك ما يدور من حوله والإلمام بأكبر قدر من المعرفة المكتسبة مجتمعياً.

3. بروز معالم استقلالية الشخصية، والنزوع نحو تأكيد الذات.

4. دائما ناقد، لأنه  ينطلق من مثاليات أقرب إلى الطوباوية، ونقده يقوم على أساس أن الواقع يجب أن يتطابق مع تفكيره المثالي.

5. لا يقبل بالضغط والقهر مهما كانت الجهة التي ترأس هذا الضغط عليه سواء كانت سلطة أو أسرة، وهذا السلوك جزء من العنفوان الداخلي للشباب والاعتداد بالنفس وعدم الامتثال للسلطة كتوجه تقدمي.

6. درجة عالية من الديناميكية والحيوية والمرونة، المتسمة بالاندفاع والانطلاق والتحرر والتضحية.

7. بدء التفكير في خيارات الحياة والمستقبل، الزواج، التعليم، الثروة.

8. اضطراب اتزان الشخصية وارتفاع مستوى توترها، حيث تصبح معرضة لانفجارات انفعالية متتالية واختلال علاقاتها الاجتماعية مع الأسرة والأصدقاء وغيرهم.

9. قدرة على الاستجابة للمتغيرات من حوله وسرعة في استيعاب وتقبل الجديد المستحدث وتبنيه والدفاع عنه، وهذه السمات تعكس قناعة الشباب ورغبته في تغيير الواقع الذي وجد فيه وإن لم يشارك في صنعه.

* فئات الشباب:

الشباب قطاع اجتماعي عريض، لا يمكن التعامل معه باعتباره وحدة واحدة متساوية؛ فإنه يتباين من فئات في المواقف والتعليم والثقافة وكذلك موقع العمل والسكن والوضع الطبقي.

يمكن تقسيم الشباب اعتماداً على ثلاثة  أسس وهم:

1. فئة الشباب المتعلم والمثقف ذو الخبرة، وهذه الفئة تصنف على أنها فئة قيادية.

2. فئة الشباب الواعي وهي تلك الفئة التي تلم بقدر من الثقافة والتعليم وامتلاك بعض الخبرات، لكنها من ناحية النشاط والفعل المباشر تبدو خاملة، أو أن نشاطها لا يتوازى مع إمكانياتها، وجزء من هذه الفئة فاعل ونشط ويمكن أن يتقاطع مع الفئة الأولى.

3. فئة الشباب التابعين وهي فئة واسعة وعريضة، ولكنها تتصف بتدني الوعي والتعليم وغير مبادرة، هؤلاء يشاركون في النشاط، ولكنهم لا يبادرون إلى فعله بل ينتظرون من يقودهم ويوجههم إليه.

– تقسيم على أساس المهنة أو العمل:

1. فئة الطلاب، وتشمل هذه الفئة طلاب الثانوية، والمعاهد المتوسطة، والعليا، وطلاب الجامعات. وهذه الفئة واسعة بحكم موقعها وامتلاكها الثقافة والتعليم، ووجود أطر حزبية ونقابية، فإنها تتسم بالديناميكية والنشاط ولديها استعداد عال للانخراط في النشاط السياسي والاجتماعي.

2. فئة العمال، وهذه الفئة تعتبر من الفئات الواسعة في المجتمع، ويمكنها أن تلعب دوراً في حال تنظيم فعلها وتأطيره من خلال النقابات والمؤسسات المهنية.

3. فئة الموظفين، وهي فئة غير متجانسة من حيث الاهتمامات ومستوى المعيشة ومستوى التعليم.

4. فئة العاطلين عن العمل، غالبيتهم من خريجي الجامعات والعمال، وهذه الفئة تصنف بأنها الأسوأ من حيث الواقع المعيشي والاستقرار النفسي ،وخياراتها، واهتماماتها يشوبها التشوش والضبابية بسبب وضعها الاقتصادي غير المستقر.

– تقسيم على أساس جغرافي:

1. فئة الشباب الذين يسكنون المدن.

2. فئة الشباب الذين يسكنون الأرياف.

3. فئة الشباب البدو.

ويوجد بين هذه الفئات من الشباب تمايزات عديدة، حيت يتميز شباب المدن بالتفتح وامتلاك قدر أعلى من التعليم والثقافة، والخبرات العلمية؛ بحكم وجود وتمركز المؤسسات التعليمية والثقافية والاقتصادية والترفيهية في المدن، ووجود مناخات اجتماعية أكثر انفتاحاً تسمح بحرية الاحتكاك والاختلاط والتبادل؛ أما شباب الأرياف، خصوصاً في البلدان الفقيرة، فنصيبه أقل في التعليم والمستوى المعيشي، والاحتكاك الاجتماعي والثقافي محكوم بتوفر المؤسسات التي عادة ما تكون محدودة ومسقوفة بالأجواء الاجتماعية المحافظة قياسياً بالمدن.

والشباب البدو فئة مهمشه اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً ويعيشون على أطراف الحضارة الإنسانية، وبما يعكس نفسه على واقعهم المعرفي والثقافي ووعيهم المجتمعي.

– تقسيم على أساس طبقي:

وهنا يدور الحديث عن اتجاهين: الأول، التقسيم الطبقي بين دول الشمال ودول الجنوب، حيث الشباب في دول الشمال الغنية يعيشون بمستوى معيشي وخدماتي وثقافي واجتماعي عام أعلى بكثير من شباب دول الجنوب الفقيرة، الذين ينعكس واقع بلدانهم ومجتمعاتهم عليهم.
أما الاتجاه الثاني، أولئك الشباب المنحدرين من أصول طبقية فقيرة في ذات البلد والمجتمع والمنحدرين من أصول طبقية مترفه أو غنية.

– استنتاج:

التقسيمات الواردة هنا، ليست بالضرورة تقسيمات قطعية؛ فهي متداخلة فيما بينها، ويوجد داخل كل فئة تمايزات. والتقسيمات الواردة هنا، هي شرح تفصيلي لمركب هذا القطاع وبما يفيد المهتمين في العمل المجتمعي والسياسي على صياغة برامجهم وتوجهاتهم.

* حاجات الشباب:

لمعرفة استعدادات الشباب وانخراطهم في العمل المجتمعي سواء أكان نشاطاً اجتماعياً أو سياسياً أو تنموياً، فإن المطلوب معرفة الاحتياجات الأساسية للشباب والعمل على تلبيتها أو أخذها بعين الاعتبار لدى صياغة الخطط والبرامج؛ باعتبارها متطلبات ضرورية يجب إدراكها من قبل المعنيين. مع الإشارة إلى أن مفهوم الحاجات مفهوم نسبي يختلف من مجتمع إلى آخر تبعاً لطبيعة وخصوصيات المجتمع المدني، ومستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي. ويتفق المتخصصون في العمل مع الشباب على الحاجات التالية باعتبارها حاجات عامة تنطبق على جميع فئات الشباب وهي:

1. الحاجة إلى تقبل الشباب ونموه العقلي والجسمي، حيث يسعى لإدراك ما يدور حوله.

2. الحاجة إلى توزيع طاقاته في نشاط يميل إليه، وخصوصاً أن الشباب لديه طاقات هائلة وعدم تفريغها في أنشطة بناءة يزيد من حالة الاضطراب والملل والتوتر لديه.

3. الحاجة إلى تحقيق الذات، بما يعنيه من اختيار حر وواعٍ لدوره ومشاركته المجتمعية وشعوره بالانتماء لفكره، أو مجموعة اجتماعية لها أهداف عامة.

4. الحاجة إلى الرعاية الصحية والنفسية الأولية، والتي من شأنها أن تجعل من نموه نمواً متوازناً وإلى عطائه ثقافة صحية عامة تمكنه من فهم التغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة كمرحلة حرجة.

5. الحاجة إلى المعرفة والتعليم، لما لهما من دور مفتاحي وأساسي في حياة الفرد، ولكونها توسع الآفاق والمدارك العقلية. وهو حق مكتسب وضروري مثل الماء الهواء في عصر ليس فيه مكان للجهلاء.

6. الحاجة إلى الاستقلال في إطار الأسرة كمقدمة لبناء شخصيته المستقلة، وتأهيله لأخذ قراراته المصيرية في الحياة والعمل والانتماء، بطرق طوعية، بعيداً عن التدخل.

7. تلبية الحاجات الاقتصادية الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، والتي بدونها سيصبح مشرداً أو متسولاً.

8. الحاجة إلى الترفيه والترويح؛ فحياة الشباب ليست كلها عمل ونشاط جدي، بل يحتاج الشباب إلى توفير أماكن للترويح ومراكز ترفيهية ثقافية (دور سينما، مسرح، منتزهات، معسكرات شبابية).

9. الحاجة إلى ثقافة جنسية، خصوصاً في بداية تفتح الشباب، ومعرفة المتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة، وتوفير حد أدنى من الثقافة الجنسية لتوفير حماية للشباب من الانحراف وتلقي ثقافة جنسيه مشوشة ومشوهة.

10. الحاجة إلى بناء الشخصية القيادية الشابة من خلال تنمية القدرات القيادية وصقلها للمواهب الواعدة، وهذه العملية لا تتم بقرار إجرائي بقدر ما تحتاج إلى سياسات تربوية مدروسة مقرونة بخبرة عمل ميداني تعزز ثقة الشباب القياديين بقدراتهم وتضعهم أمام الاختيار الجدي.

* الأهمية السياسية للشباب:

حق المشاركة بكافة أشكالها ومجالاتها حق من حقوق الإنسان الأساسية كما جاء في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وهو أداة للتنمية الفعالة وأسلوباً للممارسة السياسية والمسؤولية الاجتماعية والتربوية لأفراد المجتمع، وهي تعطي الإنسان الحق في اخضاع كافة القضايا التي تؤثر عليه وعلى جماعته، للمناقشة وإبداء الرأي وتنمي الشعور القومي لديه.

وحتى يتسنى للمرء أن يعبر عن قناعاته بوضوح وجرأة من موقع الاختلاف مع النظام السياسي القائم، يفترض وجود الديمقراطية التي من خلالها يمكن الحديث عن مشاركة جادة لكل قوى المجتمع بمن فيهم الشباب؛ تحقيقاً لرغباتهم وقناعاتهم وتعبيراً عن الشعور بالانتماء للمجتمع الذي يعيشون فيه.

والأهمية السياسية للشباب تكمن في أن للسن دور كبير في تحديد درجة الاهتمام السياسي، وضمن هذا المفهوم، فالشباب هم القوة السياسية المتحررة والمنفتحة والأكثر راديكالية، والحزب الذي يحوز على ثقتهم ويمتلك عقولهم وسواعدهم، فإنه يتقدم بثبات لتحقيق أهدافه سواء أكانت وطنية تحررية أم ديمقراطية اجتماعية.

* أهم ما يميز الشباب كقوة تغيير مجتمعية:

1. الشباب هم الأكثر طموحاً في المجتمع، وهذا يعني أن عملية التغيير والتقدم لديهم لا تقف عند حدود، والحزب السياسي أو المنظمة الشبابية أو أية مجموعة اجتماعية تسعى للتغيير السياسي أو الاجتماعي يجب أن تضع في سلم أولوياتها استقطاب طاقات الشباب وتوظيف هذه الطاقات باتجاه أهدافها المحددة.

2. الشباب الأكثر تقبلاً للتغيير. هذه الحقيقة تعتبر ميزة رئيسية في عالم السياسة الذي هو عالم متحرك ومتغير ويحمل دائماً الجديد، والفكر المحافظ لا يقوى على مسايرة الجديد بل يتعامل معه وفق منظوره المحافظ وبما يعني الفشل المحتوم. بينما الشباب وبحكم هذه الخاصية، فإن استعدادهم الموضوعي نحو التغيير وتقبل الجديد والتعامل معه بروح خلاقة ومبدعة، سيضمن المواكبة الحثيثة للمتغيرات والتكيف معها بشكل سلس دونما إرباك.

3. التمتع بالحماس والحيوية فكراً وحركة، وبما يشكل طاقة جبارة نحو التقدم، فالشباب المتقد حماسة وحيوية في تفاعله مع معطيات السياسية ومتغيراتها ومع معطيات المجتمع ومتطلباته، هو الضمانة للتقدم بثبات، فيما الحركات السياسية التي لا تحظى بهذه الطاقة الخلاقة، فإنها مهددة بالانهيار والموت أو على أقل تقدير التقوقع والمراوحة في ذات المكان.

4. العطاء دون حدود حين يكون مقتنعاً وواعياً لما يقوم به، وهنا تبدو المعادلة بسيطة لمن يريد أن يدرك معطياتها، حيث لا تعمل إلا وفق اشتراطين رئيسيين:

الاشتراط الأول، الاقتناع بمعنى احترام العقل والتعامل مع الشباب بمفهوم كياني وليس مجرد أدوات تنفيذ.

الاشتراط الثاني، الإدراك لما يقوم به الشباب، أي الإلمام بالأهداف والاقتناع بالوسائل والطرق الموصلة إلى تحقيق الهدف.

وفي حال تحقق هذين الاشتراطين الضروريين، فإن عطاء الشباب سيكون بدون حدود، وسيدفع بمسارات العمل بكل إخلاص وتفاني.

5. الشباب قوة اجتماعية هامة بصفته قطاعاً اجتماعياً رئيسياً في المجتمع، وكسب هذا القطاع من قبل صانعي القرار والسياسيين يعني كسب معركة التغيير، وهنالك الكثير من الأمثلة الدالة على هذه المعادلة، والمثال الحديث العهد في إيران، حيث استطاع الرئيس خاتمي (مرشح الشباب) أن يسحق معارضيه نتيجة تأييد الشباب المنقطع النظير.

6. الشباب قوة اقتصادية جبارة، فالعمال الشباب هم الذين ينتجون بسواعدهم والشباب المتعلم بجهدهم الذهني ينتجون ما يحتاجه المجتمع وهم الذين يبنون صرح الوطن ويضمنون منعته وقوته الاقتصادية، ودور الشباب في التنمية الشاملة، دور أساسي ومحوري. وبديهي الافتراض أن التقدم الاقتصادي مستحيل دون تقدم علمي، وعقول الشباب النيرة والمستنيرة هي التي توفر القاعدة العلمية  التي تضمن النجاح والتقدم في الجهد الاقتصادي وفي الجهد التنموي أيضاً.

7. الشباب عنوان للقوة والفتوة، هاتان الميزتان هما من المتطلبات الرئيسية للعمل السياسي. فالحزب الذي لا يضم في صفوفه الشباب، ولا يجدد عضويته بعناصر شابة ودماء جديدة، سيتحول مع الوقت إلى حزب مترهل وضعيف كمعلم من معالم الشيخوخة، فيما الحزب المتجدد بدماء الشباب في كل هيئاته ومستوياته القيادية والكادرية، سيحافظ على شبابه المتجدد.

* التربية السياسية وضرورتها في العصر الحديث:

أوضحنا منذ البداية أن التربية كمفهوم عام أصبحت ضرورة من ضرورات العصر، وهي كمفهوم ومسار يتضمن كل العمليات التي من شأنها أن تحول الأفراد إلى أفراد اجتماعيين، بمعنى أنها تعمل على رفع حس المسؤولية والانتماء لدى الفرد تجاه المجموع وكذلك شعور المجموع تجاه الفرد بشكل متبادل.
وفي سياق العملية التربوية تبرز التربية السياسية للشباب كشكل من أشكال العمل السياسي بين الشباب، باعتبارها الأساس الذي يمكن من خلاله كسب الشباب ودفعهم نحو العمل السياسي بشكل واعي ومدروس.
والمقصود بالتربية السياسية، اعطاء واكساب الشباب الوعي والفكر السياسي وتمليكه الأرضية، أو المنهجية التي من خلالها يستطيع معرفة وإدراك ما يدور حوله وامتلاكه القدرة على تحديد موقف منها.

* أهداف التربية السياسية للشباب:

في واقع الأمر هناك العديد من الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال التربية السياسية، سواء كانت مباشرة أو بعيدة الأجل، مع الإشارة إلى أن الأهداف التي يحددها المجتمع وقواه السياسية ليست معزولة عن طبيعة التركيبة السياسية الاقتصادية للبلد ذاته، بل هي جزء من سياساته وتوجهاته. وكوننا نعالج المفهوم بشكل عام، فإننا سنورد عدداً من الأهداف العامة للتربية السياسية وهي:

1. تعقد متطلبات الحياة العصرية وزيادة الضغوط الحياتية والنفسية على الشباب، يشير إلى أن الدور التربوي الذي يمكن أن تلعبه المدرسة أو الأسرة لم يعد كافياً، مما يتطلب تربية وإعداداً جاداً للشباب من قبل المجتمع، والإعداد الجاد يعني وجود عملية تربية ممأسسة لديها خطة وعمل وبرنامج وطواقم مؤهلة ومدربة وفق معايير عصرية يستطيع من خلالها المجتمع أن يكسب الشباب الوعي والإعداد الكافيين.

2. نشر المعرفة والثقافة لدى هذه الفئة- والذي بات في عصرنا الراهن على درجة عالية من الأهمية لدى الشباب- حيث من خلال هذه العملية يمكن تنمية المعلومات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لدى الشباب، وتعريفهم بأهم المشكلات العالمية والإنسانية، كالمجاعة والفقر وخطر الحروب والتلوث البيئي ومخاطر الإشعاع.

3. جذب الشباب نحو ساحة العمل السياسي والاهتمام السياسي؛ نظراً لأهمية الشباب، والآمال المعلقة عليهم، وحتى تحقق عملية التربية السياسية النجاح المطلوب منها، فيفترض فيها أن تراعي احتياجات الشباب ورغباتهم وتطلعاتهم المستقبلية، مثلما يفترض بها أن تغذي طموح الشباب وميولهم وتراعي أيضاً الاتجاهات العامة في المجتمع وقيمه ومفاهيمه.

4. تعزيز المواطنة لدى الشباب من خلال بث الروح الوطنية وتعميق روح الانتماء لقضايا الوطن واحتياجاته والحفاظ على كينونته، والاستعداد للدفاع عنه في حالة تعرضه للخطر، سواء أكان خطراً داخلياً (فتنة طائفية، أو دينية، أو عرقية)، أو خطراً خارجياً يستهدف استقلاله وسيادته.

5. إعادة بناء الذاكرة لدى جيل الشباب، بما يؤكد التواصل الثقافي والحضاري بين الأجيال، ومعرفة حقائق التاريخ والجغرافيا السياسية وكل ما يتعلق بالقضية الوطنية والقومية. وفي حال كحالنا، فإن إعادة بناء الذاكرة لدى الشباب تستدعي تأكيد حقائق التاريخ المتعلقة بفلسطين التاريخية، وحقيقة المشروع الصهيوني وأهدافه التوسعية في فلسطين، ومسؤولية إسرائيل عن تشريد الشعب الفلسطيني في عام (1948)، وحقيقة إقامة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني.

6. استجماع طاقات الشباب وتوحيدها نحو الأهداف والأولويات الوطنية والاجتماعية في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع، وتوظيف هذه الطاقات بأفضل السبل نحو هذه الأهداف والأولويات.

7. رفع حس المسؤولية والانضباط لدى الشباب من خلال عملية التربية والتهذيب الخلقي والقيمي، والتعريف بأسس النظام وقوانينه ودولة القانون ومتطلبات الشباب في تشكيل سد منيع أمام محاولات زرع الفوضى وانتهاك القيم والقانون.

8. تعزيز قيم التعاون والتعاضد والتسامح بين أفراد المجتمع خصوصاً الشباب منهم، بما يؤكد التكاتف والتماسك الاجتماعي وإطلاق المبادرات الشبابية؛ لتقديم خدمات طوعية تسهم في تقدم المجتمع والتقليل من أعباء الطبقات الشعبية.

9. عقلنة التمرد العفوي لدى الشباب، من خلال ربط قيم رفض الظلم والتمسك بالقيم الإنسانية السامية الواردة في المواثيق الدولية، وشرعة حقوق الإنسان سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

* اتحادات الشباب بين الدور السياسي والدور الشبابي.

بدأ الاهتمام بإنشاء اتحادات للشباب مبكراً في معظم بلدان العالم، وبمختلف أنظمتها السياسية، وشهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية اهتماماً ملحوظاً في إنشاء الاتحادات والمنظمات الشبابية، سواء على المستوى الوطني أو المستوى الأممي، والاعتقاد السائد أن هذا الاهتمام الملحوظ جاء كأحد الاستخلاصات التي خرجت بها الأطراف المنتصرة من الحرب، حيث نجحت النازية والفاشية في جعل الشباب قوة ضاربة في أيديها؛ ما يعني أن الشباب كانوا أدوات لدى الفاشية والنازية يعملون على الضد من مصالحهم ومصالح شعوبهم؛ الأمر الذي يتطلب مضاعفة الجهد لإعادة بناء منظمات الشباب على أسس جديدة.

ومن أبرز الاتحادات الشبابية التي أنشئت على المستوى الأممي:

1. الاتحاد العالمي للشباب الديمقراطي، وضم الاتحادات الشبابية في الدول الاشتراكية بشكل رئيسي إلى جانب الدول التي كانت قريبة من التوجهات الاشتراكية.

2. الاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي، وهو اتحاد يضم الشباب المنضوي في أحزاب الاشتراكية الدولية في أوروبا الغربية.

3. الجمعية العالمية للشباب، وكان الهدف من إنشائها الوقوف في وجه الاتحاد العالمي للشباب الديمقراطي كحركة مناوئة.

ويتضح من الاتحادات الدولية الثلاث، أن أهدافها السياسية لم تكن خافية، حيث كانت تتجاذبها ثلاث تيارات سياسية تعكس منظومتين سياسيتين أو قطبين رئيسيين آنذاك – المنظمة الاشتراكية – ومنظومة البلدان الرأسمالية.

وإلى جانب هذه الاتحادات، أنشأت الأمم المتحدة هيئات خاصة بالشباب تحت رعايتها.

ثلاث نماذج للمنظمات الشبابية:

يمكن القول أن المنظمات التي تعنى بالشباب والتي ما تزال قائمة، تمحورت حول ثلاث نماذج هي:

1. منظمات الشباب في بلدان الحزب الواحد أو التي توصف بالأنظمة الشمولية، وهذه المنظمات عبارة عن نسخة كربونية عن الحزب الأم (الحزب الحاكم) وجزء من التشكيل الرسمي، وبالتالي، فهي في سياساتها الشبابية والعامة جزء من منظومات النظام المؤسساتي ومستوعبة من خلال الحزب المهيمن على مقدرات البلد ككل. هذه المنظمات تفككت غالبيتها بسبب الانهيار الذي حصل في تلك البلدان، وفي الوطن العربي توجد بعض النماذج المشابهة خصوصاً في سوريا والعراق وليبيا (شبيبة البعث، شبيبة الفاتح).

2. منظمات أهلية للشباب تعاونها وتشرف عليها الحكومات وهذه المنظمات لديها هامش أوسع في التعبير عن سياساتها الشبابية والعامة ضمن واقع التعددية في هذه البلدان، ولكنها ليست مستقلة تماماً في سياساتها، خصوصاً وأن التمويل الحكومي لها يلعب دوراً في توجيه برامجها وتحديد أولوياتها، وهذه المنظمات تتواجد في البلدان الرأسمالية والديمقراطية الناشئة في العالم.

3. منظمات أهلية غير حكومية لا تخضع لإشراف حزبي أو حكومي، وهذا النموذج هو الأكثر استقلالية في سياساته الشبابية وسياساته العامة، ولكن هذه المنظمات على أهميتها ما زالت قليلة التأثير، وإن كان المنحى العام يتجه نحو هذه المنظمات بسبب النزوع المتزايد نحو مؤسسات المجتمع المدني على حساب المؤسسات الحكومية أو الحزبية المغلقة.

* الأهداف المعلنة لمنظمات الشباب:

الهدف الرئيسي بنظر رواد فكرة إنشاء المنظمات الشبابية اكساب الشباب المزيد من الاهتمام، وإغلاق الفجوة القائمة بين حاجات الشباب، وما يقدم لهم من البنى المجتمعية القائمة، ويتم ذلك من خلال:

1. الاهتمام بقضايا التعليم التي تخص الشباب، والتركيز على أن تتم العملية التعليمية على أساس العقل والمنهج العلمي، وليس على أساس الحشو والتلقين.

2. محاربة الجهل والأمية في صفوف الشباب، لأن الجهل المتفشي في أواسط الشباب سيتولد عنه أفكار متطرفة قد تدفع بالشباب والمجتمع إلى دوامة العنف والتطرف.

3. اكساب الشباب المنضوي في هذه المجتمعات وعياً يختص ببيئاتهم المحلية والإقليمية والدولية، تمكنهم من الإلمام بها والمقارنة بين هذه البيئات المختلفة وموقعهم منها.

4. دراسة المشاكل الاجتماعية السائدة بوسائل البحث الفردية والجماعية ووضع التصورات العملية لهذه المشاكل.

5. غرس القيم الديمقراطية لدى الشباب من خلال تكريس تقاليد النقاش والحوار الحر والديمقراطي وإبداء الرأي بين المجموع العام، ونجاح هذا التوجه يعني تعزيز الديمقراطية في المنظمات الشبابية وفي بنية المجتمع ككل.

6. اكساب الشباب الوعي السياسي من خلال التربية السياسية المعدة لهذه المنظمات، وهنا تبرز وجهتا نظر حول الدور السياسي لمنظمات الشباب:

الأولى ترى بأن السياسة تحطم منظمات الشباب وتحرفها عن أهدافها الرئيسية.

والأخرى ترى أنه لا يمكن الاستغناء عن البعد السياسي أو تغيبه في هذه المنظمات، ولكنها تحدد هذا النشاط وتحصره في جانب الشباب.

وبغض النظر عن وجهتي النظر المطروحتين، فالمسألة مازالت قائمة على جدول البحث والجدل لجهة الفصل بين الشباب والسياسة، أو الربط بين الجانبين بشكل جدلي دون أن يطغى أحدهما على الآخر أو يغيبه في الميدان التطبيقي.

7. إعداد القادة الشباب ليكُونوا مستقبلاًعلى رأس المنظمات الشبابية وجزءًا من التشكيل القيادي للمجتمع ككل .

* دور قادة الشباب:

دور القادة في المنظمات الشبابية يتراوح بين قادة مفروضين بطريقة التعيين الفوقي وبقرار سياسي من الحزب الحاكم أو السلطة التنفيذية، وآخرين قادة منتخبين من المنظمات نفسها بقرار ديمقراطي ووفقاً لمعايير الكفاءة القيادية والقدرات والخبرات. والفارق كبير بين الحالتين، ولا يتوقف عند حدود اختيار القائد أو المجموعة القيادية، بل يعكس نفسه على كل البنية للمنظمة ذاتها، فمنظمة ديمقراطية يعني أن تتشكل هيكلتها ومبناها القيادي بطريقة الانتخاب الحر من القاعدة إلى القمة، خلافاً للمنظمة التي يتم اختيار قيادتها بشكل مسبق وتقدم للأعضاء للتزكية، أو بالقائمة المركزية التي غالباً ما تضم الحزبيين أو ممثلي السلطة التنفيذية دون سواهم، بما يشير إلى أن مفهوم الديمقراطية في هذه المنظمات منتهك لدرجة خطيرة.

لذلك ما سنعرضه هنا، هو الدور المفترض للقادة الشباب وفقاً للمعايير الديمقراطية ويتمثل في التالي:

1. العمل على تنمية الروح الجماعية لدى الشباب من خلال الإيمان بمفهوم العمل الواحد، وبما يخلص الشباب من النزعات الفردية. شريطة أن يتلمس الأعضاء الشباب قيمة العمل الجماعي ومردوده عليهم.

2. العمل في المنظمات على أساس المأسسة بالاستناد إلى اللوائح والنظم، واختيار الكفاءات المؤهلة بالخبرة والعلم وأساليب الإدارة الحديثة، بما يعزز لدى الأعضاء روح الانتماء للمؤسسة والانضباط الواعي للأنظمة والقوانين.

3. تعزيز روح المبادرة لدى الشباب، وإطلاق الطاقات للمنافسة الشريفة في الإبداع والابتكار، من خلال الحوافز المعنوية والمكافآت التشجيعية.

4. تطوير الطاقات الإبداعية والمواهب والملكات الكامنة لدى الشباب في مختلف وشتى الميادين العملية والعلمية والفنية وغيرها، وتبنيها واعطاؤها فرصتها الكاملة لكي تعطي وتبدع وتطور.

5. تعزيز قيم التسامح والتآخي وقبول الآخر من موقع الاختلاف والإقرار بوجوده. وتعددية الأفكار والقناعات في المجتمع كجزء من قيم الديمقراطية ومبادئها التي يشكل العنصر الشاب صمام أمان لتعزيزها في عموم المجتمع والبيئة السياسية الرسمية.

6. دفع الشباب للانفتاح على الثقافات الأخرى من خلال الزيارات وبروتوكولات التآخي بين منظمات الشباب في البلدان المختلفة، بما يعزز من دور الشباب في الحفاظ على علاقات التضامن والتعاون بين الأمم بديلاً لنزعات الحروب والعدوان.

7. تعزيز دور الشباب في الخدمة العامة والخدمة الريفية والأحياء الشعبية من خلال الأعمال التطوعية.

* تفعيل مشاركة الشباب في الحياة العامة:

تفعيل دور الشباب في النشاط السياسي بمختلف جوانبه، سواء النشاط الوطني العام، أو النشاط من خلال منظمات وأحزاب سياسية، كان ومازال الهاجس لكل القوى السياسية التي تمتلك مشروع سياسي اجتماعي تغييري، باعتبار الشباب قوة تغيير معتبرة وموازنه في المجتمع. واللافت للنظر ابتعاد الشباب واستنكافهم عن النشاط السياسي من خلال الأحزاب، وهذا -بدون شك- له أسبابه المرتبطة بطبيعة هذه الأحزاب وبرامجها الموجهة للشباب والتي إما أنها لا تعطي الاهتمام المطلوب للشباب، أو أن خطابها السياسي لا يشكل عامل جذب لهم، بسبب تقادمها وعدم مواكبتها لمتطلبات الشباب العصرية واحتياجاتها الراهنة؛ الأمر الذي يتطلب إعادة النظر فيها لجهة دراسة كيفية تفعيل طاقات الشباب وإعادة جذبها إلى الأحزاب والعمل العام.

في مطلق الأحوال هناك مجموعة من الاشتراطات والأسس التي إن توافرت ارتفعت ممكنات مشاركة الشباب وهي:

1. وجود أحزاب ديمقراطية التكوين تشكل جاذباً للشباب للدخول الطوعي الحر فيها، وتفتح أمامهم الأفاق للإبداع وإطلاق الطاقات والتقدم في الحياة الحزبية دون عقبات، وتعطي المجال من خلال الديمقراطية الداخلية الواسعة لا المقننة، أو الممركزة بغطاء ديمقراطي كامل الحق في المناقشة وإبداء الرأي والمشاركة في صناعة القرار إلى جانب التقرير في القضايا المحلية أو القطاعية التي تخص (الشباب، المرأة، العمال)، بشكل ديمقراطي دون التعارض مع السياسة العامة، وبما يراعي الاحتياجات والمتطلبات الحياتية والمعيشية والديمقراطية الاجتماعية لهذه القطاعات.

2. تطوير النظام التعليمي في المجتمع، وبناؤه بمنحى ديمقراطي يعطي قيمة كبرى للعقل وينمي من قدرات الشباب في التفكير وصقل المواهب، ويعمل على تشجيع قيم المشاركة في المجتمع لدى الشباب.

3. صحافة حرة ومستقلة، هدفها البحث عن الحقيقة والشفافية، وإعلام حر يتسع لنقاش حر ومفتوح حول مجمل القضايا التي تهم المجتمع بقطاعاته المختلفة، ويتسع لتنظيم حوار مجتمعي حول الأحزاب ودورها السياسي، وحول السياسات الحكومية والتشريعات التي تحمي الشباب وتضمن حقوقهم ومشاركتهم الفاعلة في مختلف الميادين…

4. دعم روح الحماسة لدى الشباب، من خلال إثارة روح الغيرة والمسؤولية وتنويع الأنشطة الثقافية والفنية والفلكلورية والرياضية، وكل ما يثير الحمية والمنافسة الشريفة في نفوس الشباب، ويكسر الروتين والرتابة والملل والضجر الذي يقود إلى البلادة واللامبالاة.

5. تنفيذ مشاريع محددة قوامها الطاقات الشابة، من خلال التنمية والاعمار، سواء تنمية الريف أو استغلال المناطق الصحراوية والجبلية… وهذه المشاريع يمكن أن تحدد في فترات العطل الصيفية، ويتم فيها توظيف طلاب المدارس والجامعات في أعمال منتجة مقابل أجور أو مكافآت تحفيزية.

6. تفعيل دور المنظمات غير الحكومية، من خلال صياغة أولوياتها وبرامجها انسجاماً مع الأجندة الوطنية العامة، بما يكامل في العمل بينها وبين المؤسسات الرسمية، ويجعل من هذه المنظمات منظمات مهنية وجماهيرية لكي تحظى بمصداقيتها أمام الجمهور.

7. وجود نقابات ديمقراطية تمثل العمال وتعكس مصالحهم وتوجهاتهم ومطالبهم، ويتم تداول المسؤوليات فيها بشكل ديمقراطي على أساس الانتخابات الحرة الديمقراطية.

التجربة الفلسطينية في العمل مع الشباب:

تجربة العمل الفلسطيني لها من الخصوصية؛ ما يجعل الحديث عنها كتجربة مستقرة ومتواصلة نوعاً من المجازفة، بسبب ظروف الاحتلال وواقع الشتات الفلسطيني؛ فأخذ العمل الفلسطيني نسقين متوازيين تقاطعا معاً في مراحل كثيرة من خلال الإطار الموحد للشعب الفلسطيني، وهي: منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها واتحاداتها الشعبية، ولكن بقيت هنالك اختلافات ميزت تجربة العمل في الداخل والعمل في الخارج، حيث الظروف الموضوعية المختلفة فرضت الاختلاف في أشكال التنظيم والتواصل والتجانس. ولا أخالني هنا أستطيع في هذا الحيز المحدود إعطاء التجربة الفلسطينية في العمل مع الشباب حقها المطلوب، ولكن سأعرض إلى أبرز ملامح هذه التجربة ومحطاتها الرئيسية في الداخل والخارج.

المحطة الأولى: العمل مع الشباب انطلقت من الخارج، وتحديداً من الجامعات العربية، حيث بدأت النواة الأولى للطلاب الفلسطينيين بتشكيل الاتحاد العام لطلبة فلسطين في القاهرة، وأخذ الاتحاد العام بالتوسع ليمثل الطلاب الفلسطينيين في الخارج، وبعد تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، أصبح الاتحاد العام لطلبة فلسطين واحداً من الاتحادات الشعبية الممثلة في المنظمة ومؤسساتها من خلال اللجنة التنفيذية للاتحاد. وبقي الاتحاد العام جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية ولكن في السنوات الأخيرة أصابه ما أصاب الاتحادات الشعبية الأخرى، حيث بقي جسداً بدون روح.

المحطة الثانية: تجربة العمل في الوطن المحتل؛ بدأت في منتصف السبعينات على مستويين اثنين:

المستوى الأول: لجان العمل التطوعي التي ابتدأت في بعض المدن ثم ما لبثت أن امتدت إلى كل أنحاء الوطن وانتقلت من الصيغ المنطقية إلى الصيغ المركزية، أي على مستوى الضفة والقطاع، وكانت هذه اللجان تتبع للتنظيمات الرئيسية الأساسية؛ حركة “فتح”، حزب الشعب الفلسطيني – الشيوعي سابقاً، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهي الفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. وقد لاقت هذه اللجان نجاحاً وضمت آلافًا من الشباب في صفوفها من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، ولكن التنافس الفصائلي وعدم توحيدها في إطار وطني مهني أضعف الفكرة مع الوقت إلى أن تلاشت وتفككت أثناء الانتفاضة الأولى.

المستوى الثاني: تمثل في تشكيل اللجان الطلابية سواء في أوساط الطلاب الثانويين، أو في أوساط  طلاب الجامعات والمعاهد، وتبلورت مع مطلع الثمانينات أربع كتل طلابية رئيسية كانعكاس للتنظيمات الفلسطينية الأربعة الناشطة في هذا الميدان، وأخذت كل منها تسمية معينة.

وأخذت الحركة الطلابية سواء المعبر عنها من خلال الأطر، أو المجالس الطلابية التي تشكلت بالانتخاب المباشر وتحالف بين الكتل الطلابية المختلفة، وتباين أداء الحركة الطلابية، من حيث النشاط الطلابي المطلبي والوطني بين مد وجزر مع ملاحظة أن الحركة الطلابية بقيت الحركة الوحيدة التي لم تتفكك أطرها، وتميزت باستتباب الخيار الديمقراطي من خلال الانتخابات الدورية (مجالس الطلبة).

المحطة الثالثة: ابتدأت مع قدوم السلطة الوطنية، ووجود نظام مؤسساتي حكومي وفصائلي على الأرض الفلسطينية لأول مرة، وهذا المتغير عكس نفسه على بنية العمل الشبابي والعمل الوطني عموماً، حيث أصبح التشكيل الرسمي معبراً عنه بوزارة الشباب والرياضة، ويُشرف على النشاط الشبابي في النوادي والمؤسسات الشبابية، إضافة إلى الأطر الشبابية المحيطة بفصائل العمل الوطني والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في إطار الشباب، وهي منظمات حديثة العهد ومازالت حتى الآن محدودة التأثير.

* تقييم عام أولي للعمل الفلسطيني في أوساط الشباب:

1. أن العمل الفلسطيني ببعده الوطني والسياسي إن كان قد استأثر على اهتمام قطاع الشباب في البدايات، حيث التحق الشباب الفلسطيني من كل الفئات بفصائل العمل الوطني، لكن هذا الاندفاع كان اندفاعاً حماسياً غير محكوم بتوجهات معينة من التنظيمات التي استوعبت الشباب. والإطار الوحيد الذي كان يعبر عن مصالح فئة معينة (فئة الشباب الطلاب) في الخارج هو الاتحاد العام لطلبة فلسطين.

2. في المرحلة الثانية اتخذ العمل وسط الشباب بعداً أكثر تنظيماً في الداخل والخارج، وعبر نفسه من خلال الأطر الجماهيرية الديمقراطية المحيطة بالتنظيمات الفلسطينية، لجان العمل التطوعي، لجان اتحاد الطلبة الثانويين، الكتل الطلابية في الجامعات. وهذه التشكيلات من حيث الأساس كانت قابلة  للتحول إلى منظمات وأطر شبابية تستقطب اهتمام كل فئات الشباب وتوجهها بالاتجاه الوطني والديمقراطي المطلبي والمهني، ولكن حصيلة التجربة التي امتدت لسنوات لم تعط النتائج المطلوبة؛ لأسباب تتعلق بطبيعة المنظمات الديمقراطية الجماهيرية التي تحولت إلى واجهات سياسية للتنظيمات الأم دون أن تعطي القضايا الاجتماعية الديمقراطية، التي هي الأساس في برامجها الاهتمام المطلوب؛ ما أفقد هذه الأطر قدرتها على جذب الشباب أو الاحتفاظ بأعضائها، كما أن اتباع سياسية التعيين للقيادات التي تشرف على منظمات الشباب، وتمييز الأعضاء الحزبيين في المراتب، وتسلم المناصب القيادية ساهم في إضعافها، إلى جانب أن الأزمات التي عاشتها التنظيمات الأم، حيث عكست نفسها على هذه الأطر.

3. المرحلة الجديدة التي ابتدأت مع وجود السلطة الوطنية الفلسطينية على إقليمها في الوطن، ووجود هيئات ومؤسسات حكومية رسمية أيضاً شابها العديد من الملاحظات أهمها:

– الهيئات الرسمية الحكومية التي ترعى الشباب ما زالت حتى الآن من حيث البرامج والتوجهات وآليات العمل غير قادرة على توفير الخدمات المطلوبة للشباب إلا في حدود معينة وطفيفة، وإن كانت حداثة التجربة تشفع لها بذلك، فإن هناك أسباباً أخرى أكثر جوهرية تتمثل في أن التوجهات المطروحة في هذه المؤسسة غير جاذبة، ولا تحظى باهتمام الشباب، وهي محدودة التأثير.

– المنظمات الأهلية والمدنية والديمقراطية المحيطة بالفصائل الوطنية لم تغادر أزمتها التي عاشتها لسنوات طويلة، والمتمثلة بفقدانها لطابعها الجماهيري، للأسباب التي أتيت على ذكرها، إضافة إلى الوضع الوطني والاجتماعي العام الذي ساد لعدة سنوات، والذي عكس نفسه سلباً على مجمل البنى والمؤسسات الجماهيرية والشعبية.

– النقاش الذي ابتدأ في إطار المؤسسات الأهلية والفصائلية لم يفض حتى الآن إلى اتجاهات عمل واضحة، أو استراتيجية عمل مع الشباب، حيث مازال الجدل قائماً بين العمل المهني التخصصي الضيق، والعمل الجماهيري الواسع، مع ملاحظة أن الأساس السياسي وعلاقته ببرامج وتوجيهات هذه المنظمات ما زال أيضاً مثار جدل ونقاش.

– خصوصية الوضع الفلسطيني سواء في داخل الوطن أو خارجه، أفرزت جملة من المشاكل المركبة والمعقدة في أوساط الشباب الفلسطيني تتفوق على مشاكل كل الشباب في الدول المحيطة، وأسباب ذلك واضحة، ففي داخل الوطن تسبب وجود الاحتلال بما يحمله من قمع وملاحقة واعتقال وتخريب مجتمعي وقيمي بأضرار جسيمة طالت المجتمع وبناه وطالت الشباب بشكل خاص.

وفي الخارج،عانى قطاع الشباب من أزمات كثيرة، وفي مقدمتها القدرة على الجمع بين متطلبات الشباب الفلسطيني الوطنية والاجتماعية من جهة، والتعايش في حدود الظروف الموضوعية المفروضة عليه في الدول المستضيفة لهم من جهة ثانية.

4. الوضع الفلسطيني وما استجد عليه من تطورات بعد الانتفاضة الثانية، وما ترتب على ذلك من تدمير منهجي لبنى المجتمع الفلسطيني، فمن المتوقع أن تتفاقم أزمة الشباب الفلسطيني جراء تلك السياسات، لا سيما وأن معاناة هذا القطاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية باتت ظاهرة للعيان مما انعكس ارتباكاً وعدم يقينية بالمستقبل. وهذا بطبيعة الحال سيترتب عليه تقوقعاً، أو انسحاباً من العمل العام، إضافة إلى البحث عن سبل أخرى للخلاص كالهجرة أو السفر والانحراف؛ ما يحتم على المسؤولين والمعنيين على المستويين الرسمي والأهلي بذل المزيد من الجهد والوقت ورسم السياسات التي من شأنها التقليل من الآثار الراهنة كمقدمة لوضع معالجات وخطط متوسطة وطويلة الأجل تكون محصلتها وضع الشباب في سياقهم المجتمعي الصحيح كقوة متغيرة رئيسية ومبادرة.