مـرويّات عقبة بن سمعان والضحّاك المشرقي لواقعة الطفّ في تاريخ الطبري (ت 310هـ)

مـرويّات عقبة بن سمعان والضحّاك المشرقي لواقعة الطفّ في تاريخ الطبري (ت 310هـ)
  • الكاتب: الشيخ حسن كريم الربيعي.
  • المصدر: مجلة تراثنا. العدد : 101. السنة السادسة والعشرون / محرم – ربيع الاول 1431 هـ.

 

  • المقدّمة :
    يبقى الخبر يحتمل الصدق أو الكذب ما لم تتبدّد الاحتمالات لأحد الطرفين ، ولمعرفة صحّة الخبر لابدّ من إسقاط الاحتمالات حتّى يبقى الصحيح ، ولكي نقترب من الحقيقة التاريخية لابدّ من اعتماد مرجّحات الراوي التي من أهمّها مشاهدة الحدث مع الدقّة والعدالة والموضوعية بنقله .
    ويبدو أنّ صحّة المرويّات التاريخية لا تتوقّف على الإسناد كثيراً بخلاف أهمّيته عند المحدّثين ، بل تتوقّف على المقارنة والمشابهة بين المرويّات التاريخية ، والفرق واضح بينهما لاختلاف المنهجية بين المؤرّخين والمحدّثين وإن كانت النشأة واحدة .
    يعدّ كتاب تاريخ الرسل والملوك لمحمّد بن جرير الطبري (ت310هـ) من أهمّ الكتب التاريخية التي تناولت تاريخ الإسلام وتفصيل أحداثه ، فقد
    صفحه 11
    نهج الطبري منهجية النقل المتعدّد للأحداث وذلك على شكل المنهج الحولي ، وقد عكس فيه الأحداث التاريخية من أطراف متعدّدة لتصوير الحدث التاريخي ، هذا هو المنهج العام لتاريخ الطبري في نقل الأحداث وبالأخصّ في بيان أحداث واقعة الطفّ الأليمة فقد تناولها من جوانبها المتعدّدة ، فنراه يذكر روايات السلطة الأموية أي التاريخ الرسمي أو بعبارة أخرى روايات المنتصر وروايات المغلوب ، كما يذكر روايات الكوفة والشام والمدينة ، ولكن مع كلِّ هذا فإنّ ما رواه الطبري عن الشهود العيان هو الأروع في الجانب الموضوعي ، فقد روى عن شهود عيان في الجيش الأموي وشهود عيان في جيش الإمام الحسين(عليه السلام) ، هذا ويذكر الأستاذ جواد علي في بحث الموارد ترجيحه لأقوال الشهود .
    ونحن في بحثنا هذا المعنون بـ : (مرويّات عقبة بن سمعان والضحّاك المشرقي لواقعة الطفّ في تاريخ الطبري) ، نحاول أن نستعرض وندرس روايات كلّ واحد منهما ، ومدى أهميّة تلك الروايات وبيان مصداقية كلّ واحد منهما ، ونستعرض فيه نظر الرجاليّين لهما ولمحات من سيرتهما وكيفية نجاتهما من المعركة والموت المحقّق لهما .
    أمّا سبب اختياري مرويّات الطبري فلأهمّيته واعتماده في الغالب المنهجية الموضوعية وبالأخصّ روايات هذه الواقعة ، ثمّ إنّ عقبة بن سمعان والضحّاك المشرقي ممّن شاهدا الأحداث ، فالأوّل على معرفة تامّة بكلّ ما جرى من المدينة المنورة إلى مكة إلى العراق ، والثاني فقد فصّل لنا ليالي الواقعة والحرب في يوم العاشر وكيفية نجاته من المعركة وتفاصيل مهمّة أخرى ، وهي تنفع الباحث في الوصول إلى الحقائق بعد المقارنة ومعرفة القرائن ، وتتّضح لنا الصورة أكثر إذا وصلنا إلى وثاقتهم ومصداقيّتهم
    صفحه 12
    في نقل الأخبار التي شاهدوها وعاشوا محنتها .
    لقد اعتمدت في بحثي هذا على مصادر عدّة ، إلاّ أنّ المصدر الأساسي لهذا البحث هو تاريخ الطبري كما هو واضح من العنوان ، وقد حففته بكتب التاريخ الأخرى وكتب الرجال ، كما اعتمدت على مراجع تؤخذ منها الآراء ، وقد جمعت كلّ ذلك في قائمة حوت جميع هذه المصادر والمراجع المذكورة في نهاية البحث ، وقد قسّمت البحث إلى مبحثين : الأوّل تناول عقبة ومرويّاته ، والثاني تناول الضحّاك ومرويّاته استعراضاً ودراسة لكلّ منهما ، هذا وأتمنّى أن ينال البحث القبول على ما فيه من هنات فالكمال لله وحده ومن الله التوفيق وإليه يرجع الأمر كلّه والحمد لله ربّ العالمين .حسن كريم الربيعي

    صفحه 13
    المبحث الأوّل
    مرويّات عقبة بن سمعان عرض ودراسة
    أهمّية الشاهد التاريخي :
    كان عقبة بن سمعان ممّن شاهد وسمع وشارك في الثورة الحسينية منذ انطلاقها فقد روي عنه قوله : «صحبت حسيناً ، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قتل»(1) ، وهذا النصّ التاريخي يؤكّد الحركة الفعلية لعقبة بن سمعان وقربه الفعلي من الأحداث القولية والفعلية والتقريرية ، وهذا ما جعل الباحثين يولون أهمّية لمرويّاته لأنّه شاهد عيان لكلّ الأحداث ، مع الأخذ بنظر الاعتبار المرجّحات الخاصّة من العدالة والوثاقة والمواقف التي سوف تعرفها من سيرته بعد الواقعة أيضاً .
    كانت منهجية الطبري (ت310هـ) فيما يتعلّق بأحداث التاريخ الإسلامي إيراد كافّة الأخبار المتعلّقة بالحدث من مصادرها المختلفة(2) ، وعلى هذا المنهج تكون المقارنة والتحقيق في هذه الروايات لمعرفة الصحيح منها والسقيم وفق المنهج العقلي السليم وبالتحليل والاستنتاج .
    إنّ عقبة بن سمعان هو الشاهد الذي عاش في قلب الأحداث فرواها
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 5 / 413 .
    (2) علم التاريخ ومناهج المؤرّخين في علم التاريخ نشأةً وتدويناً ونقداً وفلسفة ومناهج كبار مؤرّخي الإسلام : 185 .
    صفحه 14
    عن دراية ويقين ، وقد نقل الطبري إصرار عقبة في رواية مهمّة جدّاً من الناحية التاريخية ، وهو نصّ يعبّر عن قيمة الشاهد التاريخي وردّه للمنقول من الروايات ، ويبدو أنّه ردّ على ما أشيع من مخاطبات وأقوال الإمام الحسين(عليه السلام) التي جاءت خلاف الواقع الذي شاهده وسمعه الراوي ، وقد نقل الطبري نصّ كلامه حيث يقول عقبة ابن سمعان : «وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في طريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلاّ وقد سمعتها»(1) .
    ومن هذا النصّ تتّضح للباحث أهمّية عقبة بن سمعان في بيان الأحداث التي وقعت في مختلف الأمكنة التي ذكرها ، وهو يرفع التشويه والتحريف لمسار الثورة الحسينية التي أشيع عنها الكثير بما يمحو أثرها في نفوس المسلمين ، لقد أنكر عقبة بن سمعان ما تناقلته كتب الأخبار وتناقله الناس آنذاك ومن ثمّ دوّنت عن قصد أو غفلة والتي تذكر : أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) أراد وضع يده بيد يزيد بن معاوية (60 ـ 63هـ) وطلب من الجيش المحيط به ذلك ، ولمّا طرقت هذه الأخبار سمع عقبة بن سمعان حلف قائلاً : «والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية»(2) .
    ومن هذا النصّ تبدو أنّ هناك جملة من الإشاعات وتبادل التهم ما بين الكوفة والشام يتبيّن من خلالها أنّ الترويج الحاصل ما هو إلاّ بأمر من السلطة التي تريد التشكيك بقيادة الثورة والتمويه على أنّ الإمام
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 5 / 414 .
    (2) المصدر السابق 5 / 414 .
    صفحه 15
    الحسين(عليه السلام) كان لديه مثل هذا العرض ، وفعلاً فقد انتشر مثل هذا الخبر بين الناس وإنّ نصّ قول عقبة بن سمعان يؤكّد على ذلك بقوله : «ما يتذاكر الناس وما يزعمون» وفيه دلالة واضحة على انتشار هذا الخبر بين الناس وهم يتحدّثون به في مجالسهم ، وربّما أشيع لتخفيف نقمة الناس أو إيقاع اللّوم على الكوفة وواليها في عدم قبوله مثل هذا العرض بزعمهم ، وقد انطلت هذه الإشاعات على بعض المؤرّخين فأوردها بدون أن يعلّق عليها فقد نقلها السيوطي (ت911هـ) في تاريخه فقال : «فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه من قبله ، فلمّا رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع والمضيّ إلى يزيد فيضع يده في يده ، فأبوا إلاّ قتله»(1) .
    إنّ هذا النصّ الذي تداوله عدّة من المؤرّخين يكذّبه واقع الشخصية التي لا يمكن أن تقبل مثل هذا المصير ، هذا وإنّ العقل ينكر مثل هذا لغير الإمام الحسين(عليه السلام) فكيف بالإمام نفسه ، وثمّةَ وجود نصّ آخر يصف صبر وجلادة الإمام الحسين(عليه السلام) وهو وصف من أحد جنود جيش عمر بن سعد بقوله : «فوالله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدَماً منه»(2) ، وهذا النصّ يصف صبر وجلد ومقدم الإمام الحسين(عليه السلام) ، فلا يمكن لمثل هذه الصفات أن يحملها إلاّ الرجل الشجاع المتيقّن من إقدامه ، وإنّ وصيّته لأخته قبل شهادته وهو يقول مردّداً : «يا أختي اتّقي الله فإنّ الموت نازل لا محالة» خير دليل على ذلك(3) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الخلفاء : 207 .
    (2) تاريخ الطبري 5 / 452 .
    (3) تاريخ اليعقوبي 2 / 170 .
    صفحه 16
    إنّ المنهج العقلي يعدّ الأساس في تقويم النصوص التاريخية ، وعلى ضوء هذا المنهج تتّضح لنا أنّ الرواية التي ذكرها السيوطي واضحة الوضع ، ولكن في المقابل فإنّ العقل يقبل رواية الحوار التي دارت بين المعسكرين ، وإنّ طلب الإمام الحسين(عليه السلام) تركه ليذهب في هذه الأرض العريضة كما ورد في النصّ هو الأقرب إلى المنهج المنطقي العقلي لحركة الإمام الحسين(عليه السلام)(1) لا الاستسلام المهين الوارد في رواية السيوطي ، فكيف ينبغي لشخص أن يستسلم بعد أن قتل أهل بيته وأصحابه؟ هذا وإنّ دعوى ذهابه ليزيد بن معاوية وإصلاح الأمر كما عبّر عنه عمر بن سعد في رسالة مرسلة إلى ابن زياد ، فقد كذّبها الشاهد العيان عقبة بن سمعان وروى عدّة روايات نقل منها الطبري في تاريخه معتمّداً المنهج المتعدّد للرواية التاريخية ، وبهذا المنهج فقد فسح مجالا واسعاً لنقد هذه الروايات وذلك وفق المنهج العقلي المقارن بين الشخصية وعوامل قبولها الأفعال والأقوال وعدمه ، ابتناءً على مراعاة أحوال شهود العيان من المتحاربين والمنعزلين عن المعركة في مدى وثاقة الراوي واخلاصه في الدفاع عمّا شاهد وعاين وهو يسمع المنقول وقد جاء بخلاف الواقع ، وهكذا هو موقف الشاهد الذي يردّ الأخبار التي هو أكثر من غيره معرفة بها .
    عقبة بن سمعان في كتاب الرجال :
    ذكره الشيخ الطوسي (ت460هـ) في رجاله من أصحاب الإمام
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 5 / 414 .

    صفحه 17
    الحسين(عليه السلام)(1) ، وذكره مصطفى التفرشي (ت ق11هـ) في كتابه نقد الرجال ، وممّن ذكره(2) السيّد الخوئي (ت1413هـ) في معجمه نقلاً عن الشيخ الطوسي وأضاف إليه قوله : «واستشهد بين يدي الحسين(عليه السلام) ، ووقع التسليم عليه في الزيارة الرجبية وعن بعض المؤرّخين أنّه فرّ من المعركة ونجا»(3) .
    أمّا شهادته فلم تثبت لورود ما يخالف ذلك بوجود رواياته التاريخية عن المعركة والتي رواها الطبري وغيره ، أمّا ورود اسمه في الزيارة الرجبية لا يعني أنّه استشهد في المعركة لاحتمال أنّ الزيارة قد كتبت متأخّرة فاشتملت على جميع المشاركين مع الإمام الحسين(عليه السلام) ، أمّا ما ذكره السيّد الخوئي عن بعض المؤرّخين أنّه فرّ من المعركة ونجا فليس بصحيح والذي فرّ من المعركة هو الضحّاك بن عبد الله المشرقي وقد تعاهد مع الإمام الحسين(عليه السلام) في الانسحاب من المعركة وقبل الإمام ذلك .
    ولا يوجد ما يؤيّد كلام السيّد الخوئي بأنّ عقبة بن سمعان قد استشهد بين يدي الإمام الحسين(عليه السلام) إلاّ ورود اسمه من ضمن قائمة الشهداء في الزيارة الرجبية ، ولو قارنّا بينها وبين زيارة الناحية المقدّسة ـ وهي زيارة منسوبة للإمام المهدي عجّل الله فرجه ـ لم نجد اسمه فيها ، وقد قارن الشيخ محمّد مهدي شمس الدين بين الزيارتين ثمّ نقل كلام الشيخ محمّد باقر المجلسي (ت1111هـ) صاحب كتاب بحار الأنوار الذي علّق على الزيارة الرجبية بقوله : «ونقلناه في كلّ موضع كما وجدناه» بعد إشارته
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) رجال الطوسي : 104 .
    (2) نقد الرجال 3 / 206 .
    (3) معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة 12 / 169 .
    صفحه 18
    لاختلاف الأسماء ما بين الزيارتين(1) ، وهي إشارة إلى النقل غير المحقّق وأنّه كيف اختلف في الأسماء ما بين الشهداء والناجين من المعركة والاختلاف في العدد بين الزيارتين ، لقد جاء اسم عقبة بن سمعان باعتباره من شهداء الواقعة بما اشتملت عليه الزيارة الرجبية من أسماء ، والغريب تعليق الشيخ شمس الدين بترجيحه عدم مشاركة عقبة بن سمعان على الاطلاق(2) ، وهذا الترجيح يخالف الواقع التاريخي ، فعقبة كان قد واكب جميع الأحداث إلى أن انتهت ، فهل كان متفرّجاً وسط هذه الأحداث على القول بعدم المشاركة؟ فإنّ عدم ذكره في الأحداث لا يدلّ على عدم مشاركته ، فكثير من الأسماء لم يعرف عنهم إلاّ أسماؤهم وهم متواجدون في الواقعة .
    وبما أنّ منهج الطبري هو نقل الأخبار من جهات متعدّدة فقد ذكر خبر نجاته وإطلاق سراحه ما نصّه : «أخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان ـ وكان مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبية وهي أمّ سكينة بنت الحسين ـ فقال له : ما أنت؟ قال : أنا عبد مملوك ـ فخلّى سبيله فلم ينج منهم أحد غيره»(3) ، ولكن يبدو للمتتبّع أنّ هناك مجموعة قد نجت من هذه المعركة وهم :
    1 ـ الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(عليهما السلام) وقد نجا بأُعجوبة وبعناية إلهية .
    2 ـ الحسن بن الحسن بن عليّ وكان جريحاً وبرئ من جراحاته .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) انصار الحسين دراسة عن شهداء ثورة الحسين الرجال والدلالات : 138 .
    (2) المصدر السابق : 156 .
    (3) تاريخ الطبري 5 / 454 .
    صفحه 19
    3 ـ عمر بن الحسن ولكن لم يعرف حاله أي أنّه اشترك في المعركة أم كان صغيراً .
    4 ـ القاسم بن عبد الله بن جعفر ، كان صغيراً .
    5 ـ زيد بن الحسن بن عليّ .
    6 ـ عقبة بن سمعان .
    7 ـ الموقّع بن تمامة الأسدي الصيداوي وقيل : المرقّع بن قمامة ، لكن ضبطه السماوي في كتابه بالموقَّع بن تمامة(1) الذي كان ناثراً نبله وهو يقاتل وبعد انتهاء المعركة آمنه نفر من قومه(2) فخرج إليهم وأخفوه عن ابن زياد ، لكنّه علم به وطلبه فشفع فيه جماعة من بني أسد فلم يقتله ابن زياد ، ولكن كبّله بالحديد ونفاه إلى الزارة(3) ـ وهو موضع بعمان ـ ومات بعد سنة من نفيه(4) .
    8 ـ مسلم بن رباح نجا من المعركة وله روايات بخصوصها(5) .
    هذا ما أحصاه الشيخ باقر شريف القرشي ولم يذكر الضحّاك المشرقي لأنّه قد ذكره من المنهزمين من المعركة ، ولكنّه كما سيتضح قد تعاهد مع الإمام الحسين(عليه السلام) وقبل الإمام منه ذلك وقد اتّفقا على هذا العهد .
    إنّ جملة من مؤرّخي الواقعة قد ذكروا عقبة بن سمعان كان عبداً
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) أبصار العين في أنصار الحسين : 108 .
    (2) تاريخ الطبري 5 / 454 .
    (3) ذكرها ابن الفقيه في الكلام عن البحرين وهي تقع ما بين الطريق من البصرة إلى البحرين أو بالعكس ، مختصر كتاب البلدان : 33 .
    (4) أبصار العين : 108 .
    (5) حياة الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) دراسة وتحليل 3 / 333 .
    صفحه 20
    للرباب ، وكان يتولّى خدمة أفراس الإمام الحسين(عليه السلام) وتقديمها له ، ولما استشهد الإمام(عليه السلام) فرّ على فرس فأخذه أهل الكوفة ثمّ أُطلق سراحه وجعل يروي أخبار الأحداث التاريخية كما حدثت ومنه أخذت أخبارها(1) ، وفيه تأمّل ونظر ، فقد روى الضحّاك المشرقي وغيره أخبار الواقعة ، ويستبعد فراره من المعركة لعدم الاتّفاق على ذلك فقد ورد ما يخالف ذلك ، ولكن الاتفاق على فرار الضحّاك ونجاته حاصل بهذه الطريقة .
    أمّا ورود اسمه في الزيارة الرجبية وليلة النصف من شعبان لا يدلّ على استشهاده ويدلّ على صحبته وحسن حاله ، لذا ما ذكره السيّد الخوئي والشيخ علي النمازي في المستدركات لا دليل عليه(2) ، بل الدليل على عدم شهادته في المعركة لوجود روايات تصف الأحداث وفيها ردود على ما نقل من أحداث الواقعة ، وعقبة بن سمعان يبدو من حاله أنّه كان موضع سرّ الإمام(عليه السلام) فقد ناداه الإمام عندما لقي الحرّ بن يزيد الرياحي في منطقة ذي حسم(3) بقوله : «يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم»(4)وفي الخرجين كتب مرسلة تشير للبيعة للإمام وتعجيل بالمجيء إلى الكوفة فيها أسماء شخصيّات من أهل الكوفة ، وقد نفى الحرّ معرفته بهذه الكتب(5)وقال : «إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك»(6) ، ويبدو من هذه النصوص
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) الإمام الحسين في المدينة المنورة ورحلته إلى مكّة المكرّمة 1 / 410 .
    (2) الإمام الحسين(عليه السلام) 1 / 411 .
    (3) ذو حسم بضمّ أوّله وثانيه : واد بنجد ، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 2 / 446 .
    (4) تاريخ الطبري 5 / 402.
    (5) المصدر السابق 5 / 402.
    (6) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 2 / 80 .
    صفحه 21
    التاريخية أنّ الرسائل كانت محفوظة في خرجين عند عقبة بن سمعان أو أنّ عقبة هو الأمين عليها وهو الذي يعتني بشؤون الإمام(عليه السلام) .
    المرويّات التاريخية لعقبة بن سمعان في كتاب الطبري :
    نقل الطبري في تاريخه روايات عقبة بن سمعان عن عبد الرحمن بن جندب بلفظ (حدّثني عقبة بن سمعان) وفيه دلالة على نجاته من المعركة فهو يروي أخبار المعركة ، وربّما ذكر أكثر ممّا ذكره الطبري في تاريخه للمنهج الذي اتخذه في تاريخه بتنويع مصادر الأخبار عنده .
    ذكر الطبري روايات عقبة وكأنّها ترسم الأحداث رسماً ، فالرواية التي قدّمها الطبري تصف كيفية الخروج من المدينة المنوّرة إلى مكّة بلا خوف أو تردّد مع سلوك الطريق العامّ ولم يغيّر طريقه خوفاً من الطلب ، وقد قيل له في ذلك ، قال : لا أفارقه ، والرواية منقولة بواسطة عبد الرحمن بن جندب(1) ، قال : «حدّثني عقبة بن سمعان مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية امرأة حسين (عليه السلام) وكانت مع سكينة ابنة حسين وهو مولى لأبيها وهي إذ ذاك صغيرة ، قال : خرجنا فلزمنا الطريق الأعظم ، فقال للحسين أهل بيته : لو تنكّبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب ، قال : لا ، والله لا أفارقه حتّى يقضي الله ما هو أحبّ إليه ، قال : فاستقبلنا عبد الله ابن مطيع فقال للحسين : جعلت فداك! أين تريد؟ ، قال : أمّا الآن فإنّي أريد مكّة . . . الخ»(2) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ذكره ابن حبّان في الثقات ، تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي : 664 .
    (2) تاريخ الطبري 5 / 351 .

    صفحه 22
    هذا النصّ يعطي صورة عن الخروج من المدينة في ظلّ ظروف صعبة للغاية ، فابن الزبير لم يبايع ولكن خروجه ليس على الطريق العامّ وذلك للخوف من عيون الأمويّين ، ولكن خروج الإمام الحسين(عليه السلام) كان على الطريق العامّ ليعلن عدم بيعته ليزيد ، وتستمرّ الرواية ببيان الوصول إلى مكّة واجتماع ابن الزبير به ورؤيته التفاف الناس حول الإمام الحسين(عليه السلام)وتعظيمه أشدّ التعظيم وهم لا يعدلون به أحداً .
    وتبيّن الرواية علم أهل الكوفة بامتناع الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الزبير من مبايعة يزيد ، وتصف مكاتبتهم للإمام ، وتنتهي الرواية بعبارة : «وعليهم (الكوفة) النعمان بن بشير»(1) .
    هذه الرواية التاريخية بمجموعها تصف وضع الناس في مكّة ومكاتبة بعض أهل الكوفة مع ذكر اسم الوالي في تلك الأحوال المضطربة .
    وممّن روى عن عقبة بن سمعان أحداث واقعة الطفّ الحارث بن كعب الوالبي ونقلها الطبري في تاريخه ، والرواية تبدأ : «أنّ حسيناً (عليه السلام) لمّا أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عبّاس فقال : يا ابن عمّ . . الخ»(2) ، تصف هذه الرواية الأحداث الواقعة في مكّة وتبيّن إصرار الإمام الحسين(عليه السلام) على الثورة وبيان مظالم الحكم على المسلمين ، وفيها بيان الأوضاع السياسية وعدم الرغبة المتوافرة في صفوف الشخصيّات القيادية لتولّي يزيد الخلافة ، ولكن تبدو من المحاولات المعروضة على الإمام الحسين(عليه السلام) لمنعه من الذهاب إلى العراق أنّ قوّة الدولة ما زالت هي
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) المصدر السابق 5 / 383 .
    (2) المصدر السابق 5 / 382 .

    صفحه 23
    المؤثّرة والأمور بيديها بالرغم من التذمّر الذي تصفه الروايات التاريخية والحوارات بين القادة الذين يحاولون أن يثنون الإمام الحسين(عليه السلام) عن تنفيذ ما عزم عليه ، تصف هذه الرواية الحوار بين عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عبّاس مع الإمام الحسين(عليه السلام) ، ثمّ تردّد ابن عبّاس كثيراً على الإمام(عليه السلام)محاولاً ومحذّراً من هذا المسير بل مقترحاً لبعض الحلول بالانطلاق نحو اليمن أو البقاء في الحجاز ، ولكنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان مصرّاً كلّ الإصرار على تحقيق بغيته ، وكان عبد الله بن العبّاس يرغب ببقاء الإمام الحسين(عليه السلام)في مكّة حتّى لا يتاح لابن الزبير السيطرة على مكّة ، وتنتهي الرواية بقول ابن عبّاس لابن الزبير : «هذا حسين يخرج إلى العراق وعليك بالحجاز» .
    وعن الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان قال : «لمّا خرج الحسين (عليه السلام) من مكّة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد فقالوا له : انصرف ، أين تذهب! فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان ، فاضطربوا بالسياط ، ثمّ إنّ الحسين (عليه السلام) وأصحابه امتنعوا امتناعاً قويّاً ، ومضى الحسين على وجهه ، فنادوه : يا حسين ، ألا تتّقي الله! تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الأمّة ، فتأوّل حسين (عليه السلام) قول الله عزّ وجلّ : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)(1) ، قال : ثمّ إنّ الحسين أقبل حتّى مرّ بالتنعيم . . الخ»(2) .
    هذه الرواية تصف بعض أحداث الطريق من مكّة باتجاه العراق ، وقد
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) سورة يونس : 10 / 41 .
    (2) تاريخ الطبري 5 / 385 .

    صفحه 24
    انطلق من بستان بني عامر أو ابن عامر وفيه لقي الشاعر الفرزدق وكان يوم التروية(1) ثمّ مرّ بالتنعيم ، إنّ تحرّك السلطة الرسمية بالتدخّل ومنع الإمام الحسين(عليه السلام) محاولة واضحة للحيلولة من وصول العراق والدخول إلى الكوفة ، وإيراد النصّ القرآني إشارة إلى السيرة العملية للإمام الحسين(عليه السلام) أو بيان هدف الثورة ضدّ الظلم والطغيان الأموي ، وتتحدّث الرواية عن قافلة محمّلة بالهدايا إلى يزيد بن معاوية من والي اليمن بحير بن ريسان الحميري فأخذها الإمام الحسين(عليه السلام) وخيّر أصحاب الإبل بين البقاء والرحيل وتنتهي الرواية بعبارة : «ومن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه» ، وفي رواية امتنع بعضهم من المضيِّ معه(2) ، وقد أنكر بعضهم هذا الفعل الصادر من الإمام الحسين(عليه السلام) ، ونقل عن الشيخ المفيد (ت413هـ) أنّه استأجرها من أصحابها في حين أيّد بعض الباحثين أنّ الإمام الحسين(عليه السلام)قد أخذ القافلة(3) ، ويبدو أنّ هذا الرأي بعيد عن فعل الإمام الحسين(عليه السلام)وخاصّة وإنّها هدايا مرسلة .
    وفي رواية عليّ بن الطعّان المحاربي الذي كان مع الحرّ بن يزيد الرياحي والتي تصف كيفية إخراج الكتب والرسائل المرسلة إلى الإمام الحسين(عليه السلام) وهي ليست من مرويّات عقبة بن سمعان ولكنّها تبيّن قرب عقبة من الإمام إذ قال له : «أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ ، فأخرج خرجين مملوءين صحفاً فنشرها بين أيديهم . . الخ»(4) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء 3 / 177 .
    (2) الملهوف على قتلى الطفوف : 127 .
    (3) الركب الحسيني 3 / 179 .
    (4) تاريخ الطبري 5 / 402 .

    صفحه 25
    وعلى مثل هذه الروايات اعتمد تاريخ الطبري ، وذلك لدقّة منهجيّته في إيراد الروايات ووضعها في مكانها ومن طرق متعدّدة ، بحيث يمكن للباحث أن يناقشها ويصل إلى رأي ، هذه المنهجية الشاملة دعت الباحثين للاهتمام بهذا التاريخ الذي استوعب تصنيفات ما قبله في هذا المجال(1) .
    إنّ إخراج الرسائل والكتب المؤمّنة عند عقبة بن سمعان دالّة على أمانته وأنّه ليس مجرّد مولى أو هو يعتني بأفراسه ويقدّمها له .
    وعن عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان قال : «لمّا كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا ، قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله ربِّ العالمين ، قال : ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً ، قال : فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين على فرس له ، فقال : إنّا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله ربّ العالمين ، يا أبت جعلت فداك! ممّ حمدت الله واسترجعت؟ قال : يا بنيّ ، إنّي خفقت برأسي خفقة فعنّ لي فارس على فرس ، فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا ، قال له : يا أبت لا أراك الله سوءاً ألسنا على الحقِّ ، قال : بلى والذي إليه مرجع العباد ، قال : يا أبت إذاً لا نبالي نموت محقّين . . الخ» ، والرواية طويلة ذكرها الطبري بتمامها وفيها وصف المسير إلى كربلاء إذ وصلها الإمام(عليه السلام) يوم الخميس وهو اليوم الثاني من محرّم سنة إحدى وستّين ، وفي اليوم الثالث منه قدم عمر ابن سعد من الكوفة في
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) المؤرّخ الطبري من منظور استشراقي : 3 .

    صفحه 26
    أربعة آلاف مقاتل(1) .
    هذه الرواية تصف أحداثاً خطيرة بين الإمام الحسين(عليه السلام) وجماعة الحرّ التي رافقت مسيرة الإمام إلى كربلاء ، وقد شدّد الحرّ ومن معه على الإمام وأصحابه وذلك بعد تسلّمه كتاب عبيد الله بن زياد الذي يطلب فيه الشدّة والحصار بمكان ليس فيه ماء ولا حصن ، وتنتهي الرواية بوصف أحداث جرت في الكوفة وكيفية استدعاء عمر بن سعد وتغيير وجهته إلى كربلاء بدلاً من دستبى(2) ، ثمّ تشير الرواية إلى أنّ عمر بن سعد استشار أصحابه وأرحامه ومنهم حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته إذ قال له حسب هذه الرواية : «أُنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربّك وتقطع رحمك ، فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها لو كان لك ، خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين . . .» ، وتذكر هذه الرواية إشارة زهير بن القين بقتالهم بعدما رأى تشديد الحرّ وأصحابه الخناق على حركتهم والتربّص لهم ، لكنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد ردّه بقوله : «ما كنت لأبدأهم بالقتال . .» ، وهي سمة لازمت الإمام حتّى يوم العاشر من المحرّم سنة 61هـ ، فالتمسّك بالمبادئ الإنسانية والإسلامية صفة من صفات الأحرار في العالم .
    والرواية مهمّة من ناحية تحديد زمان الوصول إلى أرض كربلاء بذكر اليوم والشهر والسنة فقد حدّدت يوم الخميس وهو اليوم الثاني من محرّم ، فعلى هذه الرواية يكون القتال يوم الجمعة الموافق لـ 10 من المحرّم من
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 5 / 408 .
    (2) وهي موضع بين الريّ وهمذان وهي مقسومة بينهما ويدعى قسم منها دستبى الرأي ، المختصر : 257 .
    صفحه 27
    سنة 61هـ .
    وعن عبد الرحمن بن جندب قال عقبة بن سمعان : «صحبت حسيناً (عليه السلام) فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق . . الخ»(1) .
    هذه الرواية مهمّة من الناحية التاريخية إذ ينقل الأخبار شاهد عيان عاش الأحداث من أولّها إلى آخرها ، ويبدو أنّ الطبري اهتمّ بروايته ونقلها لأهمّيتها ، فإنّ عقبة بن سمعان يقول بصورة غير مباشرة : أنّه يعرف أسرار الثورة بكلّ تفاصيلها القولية والفعلية ، فإنّ مثل هذا الشاهد والمشارك في الأحداث له قابلية على وصف الحدث التاريخي بكلّ أبعاده وعناصره ، ويعني هذا الكلام منه الإطلاع على أسرار الثورة ودوافع الإمام الحسين(عليه السلام)إلى هذه الحركة الفعلية ، وتترجّح رواياته عند الباحث في التاريخ بعد الإطلاع على قيمة هذه الروايات ومدى مصداقيته بعد تحليلها ومقارنتها عند غير الطبري ، ولكن بعد التأكّد من دراسة أقوال علماء الرجال فيه ومدى وثاقته يتبيّن أنّه من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) وأنّه يروي ما سمعه وشاهده بموضوعية .
    إنّ نجاة عقبة بن سمعان من المعركة جعله من رواة هذه الأحداث الخطيرة في تاريخ الإسلام ، أمّا كيفية نجاته فقد وصفها حميد بن مسلم ـ وهو من رواة المعركة ـ بأنّ عمر بن سعد قد أخذه ، ويبدو أنّ ذلك بعد انتهاء المعركة وشهادة الإمام الحسين(عليه السلام) وهو في أرض المعركة ولم ينهزم
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 5 / 414 .
    صفحه 28
    كما في بعض الروايات(1) ، وتذكر بعض الروايات أنّه فرّ على فرس فأخذه أهل الكوفة(2) .
    جاء ذكر روايات عقبة بن سمعان في غير كتاب الطبري ، وكان تركيزنا على كتاب الطبري وذلك لأهمّيته التاريخية ، ويبدو من تتبّع الروايات التاريخية أنّ أغلبهم اعتمدوا على تاريخ الطبري ، وعلى هذا لا يكون الطبري متفرّداً ولا تكون روايات عقبة بن سمعان مقتصرة على تاريخ الطبري فقط فقد نقلها العديد من المؤرّخين والمحدّثين ، فقد نقل رواياته الشيخ المفيد (ت413هـ) في كتابه الإرشاد(3) ، والفتّال النيسابوري (ت508هـ) في روضة الواعظين(4) وابن عساكر (ت571هـ) في تاريخ دمشق(5) ، وابن شهرآشوب (ت588هـ) في مناقب آل أبي طالب(6) ، وابن طاووس (ت664هـ) في إقبال الأعمال(7) ، وابن كثير الدمشقي (ت774هـ) في البداية والنهاية(8) ، والشيخ محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (ت786هـ) في المزار(9) ، وغيرهم ممّن رووا روايات عقبة بن سمعان التي اعتمدت في كتب التاريخ والحديث لكنّها متوافقة نوعاً ما مع ما جاء في
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 5 / 454 .
    (2) الإمام الحسين 1 / 410 .
    (3) الإرشاد : 226 .
    (4) روضة الواعظين : 180 .
    (5) تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلّها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها 45 / 49 .
    (6) مناقب آل أبي طالب 3 / 232 .
    (7) إقبال الأعمال : 344 .
    (8) البداية والنهاية 8 / 179 .
    (9) المزار : 151 .
    صفحه 29
    تاريخ الطبري ، ويبدو أنّهم عيال عليه وذلك لاعتمادهم على ما نقل في تاريخه ، وهو أمّا لوثاقته أو أنّه جمع كتب وروايات الذين سبقوه وضمّنها كتابه ، فقد اهتمّ بكتابة التاريخ وقدّمه على تفسيره للقرآن الكريم وأنّ هناك عدّة أقوال في هذا ، وعلى كلّ حال فهو من الفقهاء والمحدّثين الذين أولوا للتاريخ أهمّية خاصّة ، فقد كان من رأيه أن يكتب التاريخ من ثلاثين ألف ورقة ولما اعترض عليه تلاميذه بأنّ هذا يفني العمر اختصره إلى نحو ثلاثة آلاف ورقة(1) ، هذا الاهتمام بالتاريخ وبهذا الشكل جعل له الأهمّية الأولى من بين كتب التاريخ من حيث المنهجية وسرد الروايات بشكل يجعل الباحث يتابع الروايات المروية من طرق متعدّدة ، ومنها روايات عقبة بن سمعان المختصّة بواقعة الطفّ ، وأهميّتها تكمن في مدى قيمتها التاريخية من ناحية التحليل والاستنتاج وذلك لقربه من الأحداث بل هو في وسطها واكتوى بنارها ، وهو ممّا يجعل العذر للباحث التاريخي في الاهتمام بمثل هذه الروايات عند البحث عن ظروف وملابسات واقعة الطف وشهادة الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه .
    إنّ الطبري يرجّح أقوال شهود العيان على غيرهم لما لشهادتهم من أثر كبير في تصوير الموقف واعطاء صورة دقيقة محسوسة عنه ، كما أنّ الطبري يقيم وزناً لشهادات المعاصرين للحوادث ولأبناء المعاصرين(2) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) موارد تاريخ الطبري ، مجلّة المجمع العلمي العراقي ، السنة الأولى 1369هـ/1950م 1 / 176 .
    (2) المصدر السابق : 180 .

    صفحه 30
    المبحث الثاني
    مرويّات الضحّاك بن عبد الله المشرقي
    عرض ودراسة
    يمكن الاعتماد على ما رواه الضحّاك ونقله الطبري لأنّه من شهود المعركة ، والضحّاك له قصّة مع الإمام الحسين(عليه السلام) هي غريبة من نوعها ، وربّما لم تتضح معالمها لأوّل وهلة ، فقد عقد اتفاقاً مع الإمام بالانسحاب في آخر لحظة وهو ما ذكره في إحدى رواياته ، فقد تحدّث الضحّاك عن هذا الاتّفاق ، ولكن لم نعرف الأسباب التي دعته إلى عقد مثل هذا الاتّفاق ، قال الضحّاك : «قلت له : يا بن رسول الله قد علمت ما كان بيني وبينك ، قلت لك : أُقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً ، فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حلٍّ من الإنصراف . . .»(1) .
    إنّ المشرقي له مرويّات رواها الطبري في تاريخه ، ومن أهمّها الخطبة التي خطبها الإمام الحسين(عليه السلام) وهي فيما يبدو الخطبة الأولى المنتهية بنزوله عن راحلته التي عقلها عقبة بن سمعان(2) ، تمتاز رواياته بالوصف الدقيق للمعركة وذكر الأعداد ووصف للحالة النفسية التي تسود في جوّ المعركة وما قبلها ، فقد وصف لنا ليلة العاشر من المحرّم وصفاً
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 5 / 444 .
    (2) أبصار العين : 39 .

    صفحه 31
    دقيقاً ، وتأتي أهمّية هذه الروايات باعتباره الشاهد الذي رأى الأحداث والوقائع بعينه وسمع بأُذنه ، يذكر له الطبري عدّة من الروايات التي رواها عن المعركة ، الأولى : موردها أبي مخنف يحيى بن لوط (ت150هـ) ، فقد صرّح الطبري بمورده لهذه الرواية إذ ذكر : «قال أبو مخنف : وحدّثني عبد الله بن عاصم الفائشي عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي»(1) ، ثمّ يذكر أنّ المشرقي نسبة إلى بطن من بطون قبيلة همدان المعروفة(2) وهي من القبائل اليمانية التي ناصرت الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وله مدح لها ، والرواية تصف بإيجاز أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قام بجمع أصحابه للمشورة وأخذ القرارات فيما يبدو ، وكان سبب الجمع والمشورة لورود التهديد والإنذار ليوم واحد ، فقد روي عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) قوله : «أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام مثل حيث يُسمع الصوت ، فقال : إنّا قد أجّلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم»(3) .
    لقد أشار الطبري إلى رواية الجمع المروية عن الضحّاك المشرقي وقد اكتفى بلفظ (قد جمع أصحابه) ثمّ نقل التفصيلات من طريق آخر أكثر دقّة ووثاقة ، وهذا من منهجه في ذكر الطرق المتعدّدة للرواية ، فقد جاءه بالتفصيلات عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) ، فبعد أن ذكر الطريق الأوّل بسنده ولفظه الموجز نقل بالطريق الآخر تفصيلات أكثر دقّة عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) وهو من أهمّ شهود المعركة على الإطلاق ، والروايتان مرويّتان
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري 5 / 418 .
    (2) المصدر السابق 5 / 418 .
    (3) المصدر السابق 5 / 418 .
    صفحه 32
    عن أبي مخنف ، إنّ إيراد مثل هذه الروايات يدعم الحقيقة التاريخية إلى حدٍّ ما ، ولم نعرف ما جاء في رواية الضحّاك المنقولة عن كتاب المقتل لأبي مخنف لأنّ الأصل قد فقد وبقيت المرويّات التي اعتمدها الطبري في تاريخه .
    إنّ رواية الإمام زين العابدين(عليه السلام) تبيّن عدّة جوانب مهمّة ، أهمّها العامل النفسي الذي أكّد عليه الإمام الحسين(عليه السلام) فقد سمح لأصحابه مغادرة أرض المعركة بل للجميع حتّى أهل بيته ، فقد ورد عنه في رواية الإمام زين العابدين : «فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ، ليس عليكم منّي ذمام ، هذا ليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً»(1) ، وهو إذن عامٌّ منه(عليه السلام) لجميع أصحابه وأهل بيته وله علاقة بما تمّ الاتفاق عليه بينه وبين الضحّاك المشرقي الذي تركه في آخر المعركة وانصرف .
    إنّ الاتفاق الحاصل بين الطرفين تبيّنه الرواية التي تصف كيفية حصول الاتفاق ، ولكن لم تذكر الرواية مكان الاتفاق ولا زمانه ولكن يبدو من قراءة الرواية أنّ اللقاء تمّ في الطريق إلى كربلاء أو في الأيّام الأولى أو اليوم الأخير قبل العاشر(2) وقبل مجيء جيش عمر بن سعد ، الرواية تتحدّث عن شخصين هما الضحّاك ومالك بن النضر الأرحبي ودعوة الإمام الحسين(عليه السلام) لهما لنصرته فاعتذر الأخير واتفق الأوّل اتفاقه الغريب بقوله : «إن جعلتني في حلٍّ من الانصراف ، إذا لم أجد مقاتلاً قاتلت عنك ما كان لك نافعاً وعنك دافعاً»(3) ، فكان جواب الإمام الحسين(عليه السلام) بالقبول ، فقد
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) المصدر السابق 5 / 418 .
    (2) الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء 4 / 339 .
    (3) تاريخ الطبري 5 / 418 .

    صفحه 33
    أجابه(عليه السلام) : «فأنت في حلٍّ»(1) وعلى أثر هذا الاتّفاق أقام الضحّاك في معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) ، ولم تشر الرواية إلى مصير الشخص الآخر وهو مالك الأرحبي بعد اعتذاره عن المشاركة بأيّ شكل منها .
    وعند قراءة هذه الرواية يبدو أرجحية أنّ الاتّفاق حصل يوم التاسع أو ليلة العاشر ، إذ تتحدّث الرواية عن الاتفاق والتزام الأطراف به ، وقد أخذ صفته النهائية وفيها يقول الضحّاك واصفاً حالته : «فأقمت معه ، فلمّا كان الليل قال : هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً . . . الخ»(2) .
    في هذه الرواية والتي تليها وصف لاجتماع يقرّر فيه الإمام الحسين(عليه السلام) السماح للجميع بترك المعركة لأنّه هو المقصود منها لا غير ، وهذا العرض من قبل الإمام(عليه السلام) ليس للاختبار كما يظنّ البعض فإنّ فيه من الجدّية ما يثير العجب ، فالعطف والشفقة والرحمة مثار الافتخار والإعجاب في سلوك الإمام الحسين(عليه السلام) في قبال متعلّقيه ، بل حتّى مقاتليه فقد كانت خطّته الميدانية أن يقاتل وحده لذلك أخبر الجميع بقوله : «ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله ، فإنّ القوم يطلبوني . . . الخ»(3) ، جوبهت هذه الكلمات بمعارضة شديدة وتقريع للنفس فأوّل المتكلّمين : «إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر»(4) والردود كانت طويلة وبمختلف العبارات الرافضة ـ بأدب ـ لمثل
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) تاريخ الطبري : 5 / 419 .
    (2) المصدر السابق 5 / 419 .
    (3) المصدر السابق 5 / 419 .
    (4) المصدر السابق 5 / 419 .

    صفحه 34
    هذا العرض وينتهي الكلام بعبارة : «قبّح الله العيش بعدك»(1) .
    أمّا أصحابه فتصف الرواية ردّة فعلهم بطرح الاستفهامات على أنفسهم والقسم وكلمات التضحية وطلب الشهادة معه ، فالرواية تصف كلام أحد أصحابه وهو مسلم ابن عوسجة الأسدي ـ وهو من أعلام أهل الكوفة وسيّد القرّاء في مسجدها ـ قال مسلم مستفهماً : «أنحن نخلّي عنك؟ ، ولما نعتذر إلى الله في أداء حقِّك . . . الخ»(2) ، ثمّ استدرج ابن عوسجة واصفاً أنواع القتال من الرمح والسيف وصولاً إلى الحجارة حتّى الموت ، وتكلّم من بعده كما تذكر الرواية سعيد بن عبد الله الحنفي ثمّ زهير بن القين وبقية أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً فقد قالوا : «والله لا نفارقك ، ولكن أنفسنا لك الفداء ، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا ، فإذا نحن قتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا»(3) .
    إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان يعلم مدى القوّة والصلابة التي يتمتّع بها أصحابه وأهل بيته منذ خروجه من المدينة المنوّرة ، وقد قالها في كربلاء : «أمّا بعد فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي . . . الخ»(4) .
    وفي الرواية الرابعة يصف المشرقي الحالة المعنوية لجيش الإمام الحسين(عليه السلام) وبصيرتهم بأمرهم وقد قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ، وخيل ابن زياد تجول حولهم وتسمع نجواهم حتّى أنّ أحدهم قد ردّ على
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) المصدر السابق 5 / 419 .
    (2) المصدر السابق 5 / 419 .
    (3) المصدر السابق 5 / 419 .
    (4) المصدر السابق 5 / 418 .

    صفحه 35
    الإمام الحسين(عليه السلام) لمّا سمعه يقرأ قوله تعالى : (مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ)(1) ، قال : «نحن وربِّ الكعبة الطيّبون ، مُيزّنا منكم»(2) وهذا الرجل هو أبو حرب السبيعي عبد الله ابن شهر وعرفه الضحّاك وكان مع برير بن حضير (خضير) فردّ عليه برير بقوله : «يا فاسق ، أنت يجعلك الله في الطيّبين»(3) ، ولمّا سمع أبو حرب هذا الكلام من برير لم يجبه إلاّ بقوله : «هلكت والله يا برير»(4) ، فإمّا أنّه قد عرف قدر كلام برير أو أنّه لم يكن يتوقّع من أنّ الرادّ عليه مثل برير في علمه وتقواه الذي لا ينكره من كان في الجيش من المعسكرين .
    وما ذكرته هذه الرواية أخذ شهرة واسعة من ناحية اختلافهم في عدد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) ، فقد حدّدت هذه الرواية العدد الذي كان في قلب المعركة ، فجاء فيها : «وكان معه إثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً»(5) .
    ثم إنّ الرواية تصف وضع الترتيب النهائي لجيش الإمام الحسين(عليه السلام)على قلّته ، فقد كان في الميمنة زهير بن القين ، والميسرة عليها حبيب بن مظاهر الأسدي ، وكانت رايته مع أخيه العبّاس(عليه السلام) ، ولقلّة الجيش أضرم النار خلف جيشه ، والرواية تتحدّث عن حفر خندق حولهم وهو بالأصل منخفض يشبه الساقية والحفر قد تمّ بالليل وفي وقت من أوقاته(6) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) سورة آل عمران : 3 / 179 .
    (2) تاريخ الطبري 5 / 421 .
    (3) المصدر السابق 5 / 422 .
    (4) المصدر السابق 5 / 422 .
    (5) المصدر السابق 5 / 421 .
    (6) المصدر السابق 5 / 422 .
    صفحه 36
    أمّا الرواية الخامسة التي تتسم بطولها فقد نقلها الطبري بتمامها عن أبي مخنف حدّثه عبد الله بن عاصم قال : «حدّثني الضحّاك المشرقي قال : . . . الخ»(1) ، الرواية تتكلّم عن أهمّ يوم شهدته البشرية على مدى تاريخها الطويل ، وفي أعظم تضحية قدمها الإمام الحسين(عليه السلام) من أجل مبادئ العدل والمساواة لرسالة سماوية حرصت على إقامة الحكم الإسلامي العادل ، ففي الرواية وصف لصبيحة اليوم العاشر وفي أثناء إضرام النار في الخندق الذي مرّ ذكره وإذا بشخص حاول الهجوم على البيوت إلاّ أنّ النار كانت عائقاً من الوصول إلى هدفه ، وفيها أنّ شمراً بن ذي الجوشن قد تكلّم بكلام ضدّ الإمام الحسين(عليه السلام) ، وحاول مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم وهو قادر على قتله وطلب ذلك من الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله : «يا بن رسول الله جعلت فداك ! ألا أرميه بسهم فإنّه قد أمكنني وليس يسقط منّي سهم»(2) ، ولكنّ الإمام الحسين(عليه السلام) منعه بقوله : «لا ترمه ، فإنّي أكره أن أبدأهم»(3) ، وهذه هي المرّة الثانية التي رفض فيها الإمام الحسين(عليه السلام) أن يبدأهم بالقتال بالرغم من أنّ الحرب لابدّ وأن تقوم إلاّ أنّه رفض أن تكون البداية من طرفه ، وهذا الموقف النبيل يعبّر عن أهداف الإسلام الحقّة بل عن النظرية الإسلامية بالتطبيق العملي قولاً وفعلاً وتقريراً ، وهذه المواقف تحتاج من الباحث التأمّل والنظر في هذه الأهداف السامية التي لا تقاوم مع الغدر والمكر والاحتيال من الجانب الآخر .
    لقد ورد في هذه الرواية المهمّة خطبة للإمام كانت بليغة نقلها لنا
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) المصدر السابق 5 / 423 .
    (2) المصدر السابق 5 / 424 .
    (3) المصدر السابق 5 / 424 .

    صفحه 37
    الطبري مروية عن الضحّاك المشرقي أبان فيها الحجّة البالغة على القوم ، قال مخاطباً القوم : «اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما لحق ]للحقّ [لكم عليّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم . . . الخ»(1) .
    يبدو أنّها الخطبة الأولى قبل القتال ، وفي أثناء هذه الخطبة يصف الضحّاك أنّه هناك بكاء يسمع من المخيّم قد علا وارتفع فأمر الإمام(عليه السلام)العبّاس وعليّ الأكبر(عليهما السلام) وقال لهما : «أسكتاهنّ ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ . . الخ»(2) .
    وفي الرواية ورد ذكر عبد الله بن عبّاس وأنّه كان قد نهى الإمام الحسين(عليه السلام) عن حمل العيال والأهل معه ، ويظهر أنّ تذكّره في هذه اللحظة لمقولة ابن عبّاس برواية عقبة ابن سمعان وقد ردّ عليه الإمام الحسين(عليه السلام)بقوله : «يا بن عمّ ، إنّي والله لأعلم أنّك ناصح مشفق ، ولكنّي قد أزمعت وأجمعت على المسير»(3) ، واستمرّ الحوار بقول ابن عبّاس : «فإن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك»(4) .
    قد واصل الإمام الحسين(عليه السلام) خطبته بلسان بليغ يحيّر العقول وقد ذكر القوم بنسبه وشرفه وعشيرته وذكّرهم بقول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) له ولأخيه : «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة» ، ثمّ استدلّ برواة هذا الحديث وذكر عدّة أسماء فقد ورد اسم جابر بن عبد الله الأنصاري وأبي سعيد الخدري وسهل ابن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك ، ثمّ عدّد أسماء ممّن
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) المصدر السابق 5 / 424 .
    (2) المصدر السابق 5 / 424 .
    (3) المصدر السابق 5 / 384 .
    (4) المصدر السابق 5 / 384 .
    صفحه 38
    كتبوا إليه وهم في جيش عمر بن سعد فجاء اسم شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وقيس بن الأشعث ويزيد بن الحارث ولمّا سمعوا أنكروا وقالوا : «لم نفعل»(1) ، وتنتهي هذه الرواية بختام خطبته(عليه السلام) قائلاً : «أعوذ بربّي وربّكم من كلِّ متكبِّر لا يؤمن بيوم الحساب» ، ثمّ نزل من على راحلته التي عقلها عقبة ابن سمعان ، فتحرّك الجيش زاحفاً نحو المخيّم(2) .
    أمّا الرواية الأخيرة ففيها يصف الضحّاك المشرقي كيفية نجاته من القتل ، فقد ذكّر الإمام الحسين(عليه السلام) بالاتفاق الذي جرى بينهما فقال له الإمام : «صدقت ، وكيف لك بالنجاء! إن قدرت على ذلك فأنت في حلٍّ»(3) ، ويبدو أنّ الضحّاك قد استعدّ لذلك فوضع له فرساً في إحدى الخيم وذلك بعد عقر الخيول وكان يقاتل راجلاً ، ثمّ يذكر أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) مدحه بقوله : «لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيِّك صلّى الله عليه (وآله) وسلّم»(4) ، ثمّ يصف المشرقي نجاته من المعركة على فرس له أنّه اتّبعه خمسة عشر رجلاً حتّى وصلوا إلى منطقة شُفَيّة ـ قرية قريبة من شاطئ الفرات ـ عرفه بعضهم وكانوا من قومه فطلبوا الكفّ عنه فأجاب لذلك قوم من بني تميم ، وتنتهي الرواية بقوله : «فلمّا تابع التميميّون أصحابي كفّ الآخرون» ثمّ قال : «فنجّاني الله»(5) .
    هذا التصرّف الغريب يخفي وراءه سرّاً من الأسرار ربّما يفسّر بإرادة الإمام الحسين(عليه السلام) لذلك ; فقد جعل(عليه السلام) بعض أنصاره ممّن اكتوى بنار الحرب ينقل أخبارها حتّى لا تصادر أهداف الثورة وما جاء من أجله مَن استشهد على أرض المعركة ولئلاّ تنقل هذه الأخبار من المنتصر فقط ، ربّما يعلّل ذلك في هذا الاتجاه ، ولكنّ الشهادة للضحّاك أيضاً مطلوبة ويُسعى إليها ، وقد حارب وقاتل فارساً وراجلاً كما تذكر الروايات ، ولكن لماذا تعاقد مع الإمام الحسين(عليه السلام) واتّفق على تلك الخطّة التي وضعها الضحّاك لنفسه واشترط على الإمام الحسين(عليه السلام) ذلك الشرط ، ولماذا قبل الإمام الحسين(عليه السلام) ذلك الشرط؟ ، لم تذكر الروايات سوى الاتفاق وقبول الإمام الحسين(عليه السلام) منه ذلك الاتفاق .
    وربّما يعرض على الباحث لماذا انهزم الضحّاك من أرض المعركة؟ هل خاف أو جبن من كثرة القتلى ولذلك صمّم على الهزيمة والفرار(6) ، وما معنى الاتفاق المبرم؟ ثمّ ما معنى الحلِّ والإذن له؟ وكيف يفسّر أنّه من أصحاب الإمام زين العابدين(عليه السلام) كما ذكره الشيخ الطوسي في رجاله(7)؟ ربّما شوّهت معالم شخصية هذا الرجل بأنّه انهزم من المعركة خوفاً وجبناً ولم يكن بإذن الإمام ورخصته التي يمكن أن يقال حينها أنّ الهدف من ورائها حفظ تاريخ الثورة والأحداث الحقيقية على لسان المشاركين فيها .
    الضحّاك بن عبد الله المشرقي في كتب الرجال :
    ذكره الشيخ الطوسي أنّه من أصحاب الإمام السجّاد(عليه السلام)(8) ، ولم يعثر على ترجمة وافية للضحّاك ، ولم يعثر أيضاً على رواية له عن السجّاد(عليه السلام)ولعلّ ذلك من التراث المفقود ، ولم يُعثر على سنة وفاته بعد الواقعة ولم تكن هناك روايات يمكن الاستنتاج منها وفاته على وجه التقريب .
    ولم يذكر الشيخ محمّد مهدي شمس الدين في كتابه أنصار الحسين(عليه السلام) سوى ما وجده في كتاب الطبري وترجمه بقوله : «كان قد أعطى الحسين(عليه السلام) عهداً أن يقاتل معه ما كان قتاله معه نافعاً ، فإذا لم يجد مقاتلاً معه كان في حلٍّ من الانصراف »(9) ، ويبدو أنّ مجموعة قد نجوا من المعركة منهم الضحّاك بن عبد الله المشرقي وعقبة بن سمعان والمرقّع ابن تمامة الأسدي ومن الهاشميّين الإمام عليّ بن الحسين(عليهما السلام) والحسن بن الحسن وعمر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)(10) .
    وورد لقب المشرقي في أحداث المختار بن أبي عبيدة الثقفي في رواية أبي مخنف عن المشرقي بقوله : حدّثني ولم يعرف من هو ، ولكن لا يمكن أن يكون الضحّاك المشرقي فقد كان أبو مخنف يروي عنه بواسطة أحداث كربلاء .
    إنّ عدم ذكر اسمه الصريح يوهم بأنّه المشرقي نفسه ، وقد تكون الأحداث القريبة من أحداث كربلاء توهم ذلك ، وذلك لأنّ أحداث المختار وغيره جرت بعد شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) بمدّة تقرب من أربعة سنين ، ومن هذا لا يبعد أنّ أبا مخنف قد روى عن الضحّاك بواسطة سقطت نتيجة النسخ .
    وقد نقلت رواياته بقية المصادر ولكن عند المقارنة نجد أنّ جلّهم قد نقلوا رواياته عن تاريخ الطبري .
    وقد ذكره أيضاً عبد الله البحراني (ت1130هـ) في كتابه العوالم(11) .
    مرويّات الضحّاك المشرقي كما نقلها الطبري في تاريخه :
    إذا كان عقبة بن سمعان يروي وقائع الثورة الحسينية بتفاصيلها الجزئية ضمن حركة الإمام(عليه السلام) من المدينة المنوّرة إلى مكّة إلى العراق إلى كربلاء ، فالضحّاك المشرقي يصف لنا الأيّام الأخيرة وربّما اليوم التاسع والعاشر منذ التحاقه بالإمام الحسين(عليه السلام) حتّى نهاية المعركة ونجاته من الموت ليصبح راوياً لأحداثها الخطيرة وحسب الاتفاق بينه وبين الإمام الحسين(عليه السلام) ، والحدث وإن كان غريباً إلاّ أنّه يخفي سرّه فالغريب هروب الضحّاك من ساحة المعركة وفي آخر لحظة وفي أحرج الظروف لم تبيّن لنا الروايات كيف طاوعته نفسه فعل ذلك فهناك عدّة احتمالات منها :
    1 ـ خوفه من الموت وجبنه .
    2 ـ ارتباطه بعهود وديون للناس كما صرّح في إحدى رواياته عند مجيئه أنّ عليه ديناً ولم يبيّن مقداره وزمانه .
    3 ـ اتفاقه مع الإمام الحسين(عليه السلام) كوسيلة إعلامية ورؤية مستقبلية خوفاً من تشويه سمعة الثورة .
    ويبدو أنّ الاحتمال الثالث أقرب للصحّة وذلك لقبول ورضا الإمام الحسين(عليه السلام) بالحفاظ على نفسه وموافقته للخلاص من القتل ، أمّا خوفه وجبنه فهذا يكذّبه وجوده الفاعل في ساحة المعركة ، فإنّه يمكنه مغادرة المعركة منذ البداية والرجوع مع صاحبه الذي رافقه واعتذر عن المشاركة ، وأمّا الاحتمال الثاني : وذلك لأجل الديون ، فإنّ شهادته وهو يقاتل في ساحة المعركة أعظم من إيفاء الديون التي يمكن أن يتجاوزها من يعرف بشهادته مع الإمام الحسين(عليه السلام) ، فالأقرب للصحّة أنّه وسيلة إعلامية لنشر الأحداث الواقعية للثورة الحسينية ، وسير الأحداث دالّة على ذلك في إعداده الفرس بعد أن عقرت الخيل وإخفائه في إحدى الخيم ، ثمّ إشارة الإمام الحسين(عليه السلام) له بالإنصراف فيها دلالة أخرى على ذلك .
    لقد روى الطبري في تاريخه ستّ روايات للمشرقي ، كانت الأولى بسند أبي مخنف حدّثه عبد الله بن عاصم الفائشي عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي ، ويوضّح الطبري أنّ لقب المشرقي هو بطن من قبيلة همدان .
    المرويّات التاريخية للضحّاك بن عبدالله المشرقي في كتاب الطبري :
    أوّلاً : نصّ الرواية الأولى يحتوي على جملة : «أنّ الحسين بن عليّ(عليه السلام) جمع أصحابه»(12) .
    ويبدو من الرواية التي تليها أنّ الجمع لأصحابه كان في المساء ليوم التاسع وليلة اليوم العاشر من المحرّم سنة 61هـ ، وهذه الرواية فيها تفصيل مرويّ عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) وفيها السماح لأصحابه وأهل بيته بالإنصراف ، وممّا يؤيّد أنّها في ليلة العاشر قوله(عليه السلام) : «ألا وإني أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً . . . الخ»(13) .
    والطبري روى الطريق الأوّل عن الضحّاك والآخر عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) ، ولم يذكر لنا تفصيلات رواية الضحّاك وربّما كانت متطابقة .
    ثانياً : نصّ الرواية الثانية : وهي مرويّة بنفس السند السابق وتبيّن كيفية وصول الضحّاك مع صديق له اسمه مالك بن النضر الأرحبيّ للقاء الإمام(عليه السلام) ، ويحتمل أن اللقاء تمّ في الطريق إلى كربلاء أو في كربلاء نفسها قبل يومين أو يوم واحد من المعركة كما تدلّ على ذلك روايات الضحّاك .
    قال الضحّاك : «قدمت ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين ، فسلّمنا عليه ثمّ جلسنا إليه فردّ علينا ورحّب بنا وسألنا عمّا جئنا به ، فقلنا : جئنا لنسلّم عليك وندعو الله لك بالعافية ، ونحدث بك عهداً ، ونخبرك خبر الناس ، وإنّا نحدّثك أنّهم قد جمعوا على حربك فَرَ رأيك ، فقال الحسين(عليه السلام) : حسبي الله ونعم الوكيل! قال : فتذمّمنا وسلّمنا عليه ودعونا الله له ، قال : فما يمنعكما من نصرتي؟ فقال مالك ابن النضر : عليّ دين ، ولي عيال ، فقلت له : إنّ عليّ ديناً وإنّ لي لعيالاً ، ولكنّك إن جعلتني في حلٍّ من الإنصراف إذا لم أجد مقاتلاً ، قاتلت عنك ما كان لك نافعاً ، وعنك دافعاً! قال : قال : فأنت في حلٍّ ، فأقمت معه ، فلمّا كان الليل قال : هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ثم ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله ، فإنّ القوم إنّما يطلبوني ، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري ، فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : لِمَ نفعل ، لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً ، بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليٍّ ، ثمّ إنّهم تكلّموا بهذا ونحوه فقال الحسين(عليه السلام) : يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم ، قالوا : فما يقول الناس! يقولون إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ، لا والله لا نفعل ، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ، ونقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك»(14) .
    ثالثاً : نصّ الرواية الثالثة : وهي الرواية التي تتحدّث عن موقف الأصحاب من العرض الذي قدّمه الإمام الحسين(عليه السلام) بالسماح لأهل بيته وأصحابه بالانصراف والخلاص من القتل ، هذه الرواية تحمل نفس السند السابق مع خلوّها من لقب الفائشي المتحدّث عن الضحّاك المشرقي ، ونصّها : «قال : فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : أنحن نخلّي عنك ولما نُعذِر إلى الله في أداء حقِّك! أما والله حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولا أفارقك ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك ، قال : وقال سعيد بن عبد الله الحنفي : والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا حفظنا غيبة رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فيك ، والله لو علمت أنّي أقتل ثمّ أحيا ثمّ أحرق حيّاً ثمّ أذر ، يفعل بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك! وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً . قال : وقال زهير بن القين : والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل كذا ألف قتلة ، وإنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك ، قال : وتكلّم جماعة من أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد فقالوا : والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا»(15) .
    رابعاً : نصّ الرواية الرابعة وهي الرواية المروية بنفس السند ، وهي تصف ليلة العاشر من المحرّم وعمل أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) في ليلتهم وهم قيام يصلّون ويستغفرون ويقرأون القرآن ، والرواية تصف أيضاً بعض أعمال جيش عمر بن سعد ومرور الخيل على معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)لإشاعة الرعب والخوف في صفوف جيش الإمام الحسين(عليه السلام) ، وفيها دلالة على ضخامة الجيش المحيط بمعسكر الإمام الحسين(عليه السلام) ، وكان بعض جنود جيش عمر بن سعد يسمع تلاوة الإمام(عليه السلام) للقرآن بحيث أنّ أحدهم سمع بعض الآيات القرآنية وردّ عليها والرادّ هو أبو حرب السبيعي عبد الله ابن شهر في رواية الطبري ، ولكن الشيخ المفيد ذكره في الإرشاد باسم عبد الله بن سمير فقد نقل رواية الضحّاك بقوله : «قال الضحّاك بن عبد الله ومرّ بنا خيل لابن سعد تحرسنا وأنّ حسيناً(عليه السلام) ليقرأ . . الخ» ويبدو أنّها مختصرة عن الطبري إلاّ في اختلاف الرادّ على الإمام الحسين(عليه السلام)(16) .
    أمّا النصّ عن الطبري فهو : «قال : فلمّا أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون ، قال : فتمرّ بنا خيل لهم تحرسنا ، وأنّ حسيناً ليقرأ : (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ)(17) ، فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا ، فقال : نحن وربِّ الكعبة الطيّبون ميّزنا منكم ، قال : فعرفته ، فقلت لبرير بن حضير (خضير في رواية المفيد) : تدري من هذا؟ قال : لا ، قلت : هذا أبو حرب السبيعي عبد الله بن شهر ـ وكان مضحاكاً بطّالاً ، وكان شريفاً شجاعاً فاتكاً ، وكان سعيد بن قيس ربّما حبسه في جناية ـ فقال له برير بن حضير : يا فاسق أنت يجعلك الله في الطيّبين! فقال له : من أنت؟ قال : أنا برير بن حضير ، قال : إنّا لله! عزّ عليّ! هلكت والله هلكت والله يا برير! قال : يا أبا حرب ، هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام! فوالله إنّا لنحن الطيّبون ، ولكنّكم لأنتم الخبيثون ، قال : وأنا على ذلك من الشاهدين ، قلت : ويحك! أفلا ينفعك معرفتك ، قال : جعلت فداك! فمن ينادم يزيد بن عذرة العَنَزي من عنز بن وائل! قال : ها هو ذا معي ، قال : قبّح الله رأيك على كلّ حال! أنت سفيه ، قال : ثمّ انصرف عنّا ، وكان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الأحمسي ، وكان على الخيل ، قال : فلمّا صلّى عمر بن سعد الغداة يوم السبت ـ وقد بلغنا أيضاً أنّه كان يوم الجمعة وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء ـ خرج فيمن معه من الناس ، قال : وعبّأ الحسين أصحابه ، وصلّى بهم صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العبّاس بن عليّ أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم ، قال : وكان الحسين(عليه السلام) أتى بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنّه ساقية ، فحفروه في ساعة من الليل فجعلوه كالخندق ، ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، وقالوا : إذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا ، وقاتلنا القوم من وجه واحد ، ففعلوا ، وكان لهم نافعاً»(18) .
    خامساً : نصّ الرواية الخامسة وقد ذكرها الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد(19) ، وهي من الروايات الطويلة ، فهي تصف الأحوال قبيل المعركة وبداية التعرّض من قبل شمر بن ذي الجوشن وكان يهيّىء للبداية ، وفيها خطبة مهمّة جدّاً ويبدو أنّها الخطبة الأولى للامام الحسين(عليه السلام) قبل بداية المعركة ، والرواية عن الضحّاك : «قال : لمّا أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلاّ يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة ، فلم يكلّمنا حتّى مرّ على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلاّ حطباً تلتهب النار فيه فرجع راجعاً ، فنادى بأعلى صوته : يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة! فقال الحسين : من هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن : فقالوا : نعم أصلحك الله هو هو ، فقال : يا بن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّا ، فقال له مسلم بن عوسجة : يا بن رسول الله جعلت فداك : ألا أرميه بسهم فإنّه قد أمكنني وليس يسقط (منّي) سهم ، فالفاسق من أعظم الجبّارين ، فقال له الحسين : لا ترمه ، فإنّي أكره أن أبدأهم ، وكان مع الحسين فرس له يدعى لاحقاً حمل عليه ابنه عليّ بن الحسين ، قال : فلمّا دنا منه القوم عاد براحلته فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته دعاءً يسمع جلّ الناس : أيّها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما لحق ]للحق[ لكم عليّ ، وحتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي واعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منّي العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ)(20) ، (إِنَّ وَلِيِّي اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(21) ، قال : فلما سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين وبكى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العبّاس بن علي وعلياً ابنه وقال لهما : اسكتاهنّ ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ ، قال : فلمّا ذهبا ليسكتاهنّ قال : لا يبعد ابن عبّاس قال : فظنّنا أنّه إنّما قالها حين سمع بكاؤهنّ لأنّه قد كان نهاه أن يخرج بهنّ ، فلمّا سكتن حمد الله وأثنى عليه ، وذكر الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد صلّى الله عليه وعلى ملائكته وأنبيائه فذكر من ذلك ما الله أعلم وما لا يحصى ذكره ، قال : فوالله ما سمعت متكلّماً قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه ، ثمّ قال : أمّا بعد فانسبوني فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكم صلّى الله عليه (وآله) وسلّم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه ، أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي ، أو ليس جعفر الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي ، أوَلم يبلغكم قول مستفيض فيكم : إنّ رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم قال لي ولأخي : «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة» ، فإن صدّقتموني بما أقول ـ وهو الحقّ ـ فوالله ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، ويضر به من اختلقه ، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، أو أبا سعيد الخدري ، أو سهل بن سعد الساعدي ، أو زيد بن أرقم ، أو أنس بن مالك ، يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم لي ولأخي ، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ، فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول ، فقال له حبيب ابن مظاهر : والله إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً ، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك ، ثمّ قال لهم الحسين : فإن كنتم في شكٍّ من هذا القول أفتشكون أثراً ما إنّي ابن بنت نبيّكم ، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيٍّ غيري منكم ولا من غيركم ، أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة أخبروني ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال بكم استهلكته أو بقصاص من جراحة؟ قال : فأخذوا لا يكلّمونه ، قال : فنادى : يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد ابن الحارث ، ألم تكتبوا الي قد اينعت الثمار واخضرّ الجناب وطمّت الجمام ، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة فأقبل ، قالوا له : لم نفعل ، فقال : سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها الناس ، إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض ، قال : فقال له قيس بن الأشعث : أوَ لا تنزل على حكم بني عمّك فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال الحسين : أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم ابن عقيل ، لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد ، عباد الله إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون ، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب ، قال : ثمّ إنّه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها وأقبلوا يزحفون نحوه»(22) .
    سادساً : نصّ الرواية السادسة ، وهذه الرواية تصف نجاة الضحّاك ابن عبد الله المشرقي ، وهي تصف أيضاً اللحظات الأخيرة من معركة الطفّ ، وهي بنفس السند السابق ونصّ الرواية هو : «قال : لمّا رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا ، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي قلت له : يا بن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني وبينك قلت لك : أقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً ، فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حلٍّ من الإنصراف ، فقلت لي : نعم ، قال : فقال : صدقت ، وكيف لك بالنجاء! إن قدرت على ذلك فأنت في حلٍّ ، قال : فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ، أقبلت بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت ، وأقبلت أقاتل معهم راجلاً ، فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين وقطعت يد آخر ، وقال لي الحسين يومئذ مراراً : لا تشلل لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيّك صلّى الله عليه وسلّم ، فلمّا أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ثمّ استويت على متنها ، ثمّ ضربتها حتّى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فافرجوا لي وأتبعني منهم خمسة عشر رجلاً حتّى انتهيت إلى شُفيّة ـ قرية قريبة من شاطئ الفرات ـ فلمّا لحقوني عطفت عليهم فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيّوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي ، فقالوا : هذا الضحّاك بن عبد الله المشرقي ، هذا ابن عمّنا ، ننشدكم الله لما كففتم عنه ، فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم : بلى والله لنجيبنّ إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم ، قال : فلمّا تابع التميميّون أصحابي كفّ الآخرون ، قال : فنجّاني الله»(23) .
    الخلاصة :
    بعد هذا الاستعراض لمرويّات عقبة بن سمعان والضحّاك ابن عبد الله المشرقي ، يمكن الوصول إلى النتائج الآتية :
    1 ـ الاهتمام بروايات الشاهد التاريخي وتحليلها والوصول عن طريقها إلى أقرب الحقائق التاريخية .
    2 ـ أهمّية مرويّات عقبة بن سمعان التاريخية التي تحمل المصداقية ، وذلك لورود توثيقات بحقّه ، مضافاً إلى ذلك أنّه من المواكبين للمسيرة الحسينية منذ انطلاقها إلى نهايتها ، فقد حمل صورها حيّة في ذاكرته وهو من الثقات .
    3 ـ أهمّية مرويّات الضحّاك المشرقي تنبع من وصفه للواقعة بدقّة قبيل المعركة وفي أثنائها ، ويبدو اهتمام الطبري بها لأنّ من منهجيته رواية الأحداث من زوايا متعدّدة مع الاهتمام بروايات الشاهد التاريخي .
    المصادر والمراجع
    1 ـ القرآن الكريم .
    2 ـ إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام) : للسماوي ، محمّد بن طاهر ، تحقيق : محمّد جعفر الطبسي ، قم ، زمزم هدايت ، 1423هـ .
    3 ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد : للشيخ المفيد ، أبو عبد الله محمّد ابن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (ت413هـ) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث .
    4 ـ إقبال الأعمال : لابن طاووس ، علي بن موسى بن جعفر (ت664هـ) ، تحقيق : جواد القيّومي الإصفهاني ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1416هـ .
    5 ـ الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء : للمولائي ، عزّت ومحمّد جعفر الطبسي ، قم ، مركز الدراسات الإسلامية ، 1425هـ .
    6 ـ الإمام الحسين في المدينة المنوّرة ورحلته إلى مكّة المكرّمة : للشاوي ، علي ، قم ، مركز الدراسات الإسلامية ، 1425هـ .
    7 ـ أنصار الحسين دراسة عن شهداء ثورة الحسين الرجال والدلالات : لشمس الدين ، محمّد مهدي ، بيروت ، دار الفكر ، 1975م .
    8 ـ البداية والنهاية : لابن كثير ، أبو الفداء إسماعيل الدمشقي (ت774هـ) ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 1408هـ .
    9 ـ تاريخ الخلفاء : للسيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911هـ) ، بغداد ، مطبعة منير .
    10 ـ تاريخ الرسل والملوك : للطبري ، أبو جعفر محمّد بن جرير (ت310هـ) ، القاهرة ، دار المعارف ، 1960م .
    11 ـ تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلّها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها : لابن عساكر ، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي (ت571هـ) ، تحقيق : علي شيري ، بيروت ، دار الفكر ، 1415هـ .
    12 ـ تاريخ اليعقوبي : لليعقوبي ، أحمد بن إسحاق بن جعفر بن واضح (ت292هـ) ، علّق عليه : خليل المنصور ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1419هـ .
    13 ـ حياة الإمام الحسين(عليه السلام) دراسة وتحليل : للقرشي ، باقر شريف القرشي ، قم ، شريعة ، 1427هـ .
    14 ـ رجال الطوسي : للشيخ الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن الحسن (ت460هـ) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415هـ .
    15 ـ روضة الواعظين : للفتّال ، محمّد النيسابوري (ت508هـ) ، تحقيق : محمّد مهدي الخرسان ، قم ، منشورات الرضا .
    16 ـ علم التاريخ ومناهج المؤرّخين في علم التاريخ نشأةً وتدويناً ونقداً وفلسفة ومناهج كبار مؤرّخي الإسلام : لعبد الحميد ، صائب ، بيروت ، الغدير ، 1421هـ .
    17 ـ العوالم : للبحراني ، عبد الله (ت1130هـ) ، قم ، أمير ، 1407هـ .
    18 ـ مختصر كتاب البلدان : لابن الفقيه ، أبو بكر أحمد بن محمّد الهمذاني (ت340هـ) ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408هـ .
    19 ـ المزار : للشهيد الأوّل ، أبو عبد الله محمّد بن مكّي العاملي (ت786هـ) ، تحقيق : مدرسة الإمام المهدي ، قم ، مدرسة الإمام المهدي ، 1410هـ .
    20 ـ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة : للسيّد الخوئي ، أبو القاسم الموسوي (ت1413هـ) .
    21 ـ معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع : للبكري الأندلسي ، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز (ت487هـ) ، تحقيق : مصطفى السقّا ، بيروت ، عالم الكتب ، 1403هـ .
    22 ـ الملهوف على قتلى الطفوف : تحقيق : فارس الحسّون ، قم ، أُسوة ، 1422هـ .
    23 ـ مناقب آل أبي طالب : لابن شهرآشوب ، أبو جعفر محمّد بن علي السروي (ت558هـ) ، تحقيق : لجنة من الأساتذة ، النجف الأشرف ، الحيدرية ، 1376هـ .
    24 ـ موارد تاريخ الطبري : لعلي ، جواد ، مجلّة المجمع العلمي العراقي ، السنة الأولى 1369هـ/1950م ، بغداد ، مطبعة التفيض ، 1369هـ .
    25 ـ المؤرّخ الطبري من منظور استشراقي : للحكيم ، حسن عيسى .
    26 ـ نقد الرجال : للتفرشي ، مصطفى بن الحسين الحسيني (ت1030هـ) ، قم ، ستارة ، 1418هـ .
    27 ـ وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء : للطبسي ، محمّد جواد ، قم ، سبهر انديشة ، 1425هـ .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) المصدر السابق 5 / 425 .
    (2) المصدر السابق 5 / 425 .
    (3) المصدر السابق 5 / 444 .
    (4) المصدر السابق 5 / 445 .
    (5) المصدر السابق 5 / 445 .
    (6) حياة الإمام 3 / 245 .
    (7) رجال الطوسي : 116 .
    (8) المصدر السابق : 116 .
    (9) أنصار الإمام الحسين : 50 .
    (10) المصدر السابق : 50 .
    (11) العوالم : 282 .
    (12) تاريخ الطبري 5 / 418 .
    (13) المصدر السابق 5 / 418 .
    (14) تاريخ الطبري 5 / 418 .
    (15) تاريخ الطبري 5 / 420 .
    (16) الإرشاد : 233 .
    (17) سورة آل عمران : 3 / 178 ـ 179 .
    (18) تاريخ الطبري 5 / 421 .
    (19) الإرشاد : 233 .
    (20) سورة يونس : 10 / 71 .
    (21) سورة الأعراف : 7 / 196 .
    (22) تاريخ الطبري 5 / 423 ـ 426 .
    (23) تاريخ الطبري 5 / 444 .

Loading