نصّ الغدير إثبات الولاية والإمامة قراءة في موسوعة الغدير لطبعتها المحققة الثالثة.

نصّ الغدير إثبات الولاية والإمامة قراءة في موسوعة الغدير لطبعتها المحققة الثالثة.
  • الكاتب: أ. عدنان علي الحسيني (*).
  • المصدر: مجلة المنهاج. العدد : 42. السنة الحادية عشر صيف 1427هجـ 2006 م.

 

  • مع إطلالة الثامن عشر من ذي الحجة من عام (1426) من الهجرة الشريفة، على هاجرها آلاف التحية والسلام، تمرّ الذكرى السادسة عشرة بعد الأربعمئة وألف لواقعة غدير خمّ، التي كانت، وما تزال، وسوف تبقى تتألق من ناحية في دنيا الإسلام، ومن ناحية اُخرى تتجذّر أصالة في أعماق ونفوس المؤمنين، كي يزدادوا إيماناً إلى إيمانهم بسلامة المنهج وحقّانية المذهب والطريق الذي سلكوه..

فقد استبق هذه المناسبة السعيدة المباركة، والعيد الإسلامي الكبير، إصدار الطبعة الثالثة (1) المحقّقة والمنقّحة من الموسوعة القيّمة (الغدير في الكتاب والسنة والأدب)، هذا الكتاب الجوهرة التي عُدمت النظير، والذي سيبقى مع مؤلِّفه أثراً خالداً بخلود الذكرى، وبخلود صاحب الذكرى، ساقي الكوثر، وفاتح خيبر، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
فالكتاب، هذه الظاهرة العلمية والفنية المميزة والمتميزّة في عالم التأليف ـ وإلى هذه الساعة ـ لم يؤاخذ مؤلِّفه عليه في بحث من أبحاثه، بل ولا في فقرة من فقراته، وذلك مردّه إلى رصانة البحث والتحقيق، وتوخي الدقّة في اختيار الأدلة والبراهين، وقوة الاستدلال، والحذق في تناول أطراف الموضوع ثم الولوج فيه خطوة خطوة بأناة وتؤدة، دون تشنّج أو اتّهام، مع استحكام في المباني الاستدلالية، وهذا كله أضفى على
________________________________________
(*)باحث، من العراق.
(1)هذه الطبعة هي في الحقيقة ستكون التاسعة، على حدّ علمنا، في سلسلة طبعات هذا الكتاب، فالطبعة الأُولى تواصلت على مدى اثني عشر عاماً منذ سنة (1364هـ / 1945م)، ولغاية سنة (1376هـ / 1956م). أما الطبعة الثانية ففي طهران 1372هـ / 52 ـ 1953م، بمطعبة الحيدري، ونشر دار الكتب الإسلامية. والثالثة في بيروت 1387هـ / 1967م، عن دار الكتاب العربي. والرابعة في بيروت 1397هـ / 1977م، وعن الدار السابقة نفسها. والخامسة في بيروت 1403هـ / 1983م، وعن الدار السابقة أيضاً. وجميع الطبعات هي اُفست عن الطبعة الثانية الطهرانية. والسادسة في بيروت 1414هـ / 1994م، عن مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، وهذه الطبعة بصفّ حروفيّ جديد، ووسمها صاحب الدار الشيخ محمد حسين الأعلمي بالطبعة الأُولى. والسابعة في قم تواصلت بين الأعوام (1416هـ / 1995م ـ 1422هـ / 2002م)، بتحقيق مركز الغدير للدراسات الإسلامية التابع لمؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (، وهي الطبعة الأُولى المحققة، حيث صدرت أجزاؤها تباعاً خلال تلك الأعوام. والثامنة في قم 1424هـ / 2004م، عن مركز الغدير أيضاً، وهذه الطبعة المشتملة على تصحيحات وإضافات تحقيقية، وهي الثانية. والتاسعة في قم 1425هـ / 2005م، عن مركز الغدير أيضاً، وهي الثالثة. والعاشرة في قم 1427هـ / 2006م، عن مركز الغدير أيضاً، وهي الرابعة، وذلك لنفاد الطبعتين الثانية والثالثة.

[الصفحة – 221]

الكتاب وأبحاثه متانة وقاطعية؛ لأن غرض المؤلِّف (قدس سره) من بحث أي موضوع طرقه، هو انتشاد الحقيقة فيه، وبيانها للملأ على ما هي عليه كما نقلها التاريخ، وأخرجتها المصادر الوثيقة المعتمدة.
في رحاب العلاّمة الأميني
وعلى هذا، فإن مؤلِّف (الغدير) الألمعي، العلاّمة العبقري، المصلح المجدّد، الشيخ عبدالحسين بن أحمد الأميني (قدس سره) (1320 ـ 1390هـ)، يُحمد على عمله، ويُجزل له الشكر وافراً واصباً.. فقد كان الكتاب وما يزال، الأول وفي الطليعة في بابه، رغم مرور أكثر من ستين عاماً على صدور طبعته الأُولى، ورغم مضي نحو (37) عاماً من وفاة العلاّمة (رحمه الله)، وهو بعدُ حصيلة نحو نصف قرن من عمره المبارك الشريف، حيث لم يعرف خلالها الكلل والملل، وخاطر بنفسه، وتحمّل المشاق والأذى في هذا السبيل، حتى قدَّم للأجيال، وللأُمة الإسلامية زهرة عمره، وعصارة حياته، وخالص جهده وجهاده في إثبات الحق الصراح لأهله، من خلال مواكبته رواة واقعة الغدير عبر الحقب التاريخية والقرون المتعاقبة، فكان أن أوصلنا في موسوعته إلى نتيجة مفادها، هي أن حديث الغدير متواتر بأعلى درجات التواتر، حيث تقلّ الأحاديث التي ترقى إلى مرتبته في الصحة والتواتر، كما أن دلالته الحقيقية إنما تنحصر في إثبات الإمامة والخلافة والوصاية لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بعد النبيّ (رضي الله عنهم) وبلا فصل.
فالهدف الذي كان العلاّمة يسعى من ورائه، هو خدمة الدين، وإعلاء كلمة الحق، وإحياء الأُمّة الإسلامية، والإشادة بالذكر العلويّ الخالد.. وسعياً وراء صالح المجتمع. فكان هذا الهدف من جملة همومه، ومما قطعه على نفسه، بل، راح يدعو الباري تعالى ويتضرّع إليه أن يوفّقه للسير في هذا السبيل؛ للوصول إلى مبتغاه. فقد استفتح الجزء الثالث بحمد الله ودعائه قائلاً: «وأن تأخذ بيدي في خدمتي للمجتمع، والدعوة إلى الحق، والسير وراء الصالح العام، وإعلاء كلمة التوحيد، وبث مآثر رجالات الأُمّة وساداتهم».
فحري بأهل العلم والفضل والمتتبعين ألاّ يعتبروا ما يجدونه في هذه الموسوعة
________________________________________

[الصفحة – 222]

القيّمة الرائدة، على أنه خطأ أو هفوة أو حتى شطحة قلم، إذا ما أخذوا بعين الاعتبار تلك الظروف العصيبة التي مرَّ بها المؤلِّف، وهو يجمع مادة كتابه من المصادر، والتي لم تكن متيسرة أو في متناول اليد، بل إن بعضها كان يحصل عليه بشق الأنفس، وبعد ملاقاة العنت والنصب، وذلك ماحكاه بنفسه، أو ما حكاه مقرّبوه، عما جرى له أثناء عمله من الحكايات العجيبة والغريبة، والتي جاء بعضها في مقدمة هذه الموسوعة (2) ، والتي خُصّص لها مجلد كامل مستقل، حمل الرقم (صفر) في الطبعة الأُولى المحقّقة، ثم عُدل عنه إلى الرقم (1) في الطبعة الثانية؛ لأن العادة جرت أن تُعدَّ الأشياء والمعدودات من الرقم (1) بداية، فلا يُبتدأ بالصفر.
على كل حال، فالذي يتأمل في الجهد العلمي الذي حواه الكتاب، يجده عملاً موسوعياً، يصعب على الفرد إنجازه إلاّ إذا تيسّرت له من عوامل الفطنة والعلم والمثابرة، ما يعدل جهد جمع من ذوي الاختصاص والخبرة، مع توافر الإمكانيات. هذا، مع ملاظة سعي المؤلف الحثيث وأسفاره المتعددة إلى إيران، وفي محافظات العراق من أجل الحصول على مصادر كتابه، والسفر على هذا الطريق يأخذ من الإنسان وقتاً وجهداً مضاعفاً، كما يجب أن يُلحظ أن من خصوصيات العلاّمة في المطالعة، أنه عندما كان يحصل على كتاب يحوي فصلاً أو بعض فصل حول موضوع بحثه، فكان(قدس سره) لا يكتفي بقراءة ذلك الفصل المعقود لموضوع البحث، وإنما كان يقرأ الكتاب كاملاً، يمرُّ عليه مروراً متأنياً واعياً، يسجل نكاته العلمية، ويقتبس شواهده.. فيأخذ ما يحتاجه لموضوع بحثه، ويحتفظ بالباقي في دفتر يومياته.
وهكذا فقد تجمّع لديه نحو (2000) صفحة، كانت منها (1012) صفحة للجزء الثاني من كتاب (سيرتنا وسنتنا)، أما البواقي فكان مقرراً لها أن تستقل بكتاب يحمل عنوان (العترة الطاهرة في الكتاب العزيز). ولكن لانشغال العلاّمة بكليته في مشروعه الكبير (الغدير) من جانب؛ ولسعة هذا الموضوع من جانب آخر، وكذلك لاتساع أبحاث الموسوعة الغديرية وانجرارها إلى مبحث (مسند المناقب ومرسلها)، فقد رأى الأميني (رحمه الله) أن يدمج موضوع الآيات النازلة في العترة الطاهرة في موسوعة الغدير لتشكل ذلك المبحث الضافي والمهم من الموسوعة، وبذلك استغنى عن تصنيف
________________________________________
(2)كما ذكر بعضها زميل العلاّمة الأميني ومريده الحاج حسين الشاكري في كتابه (ربع قرن مع العلاّمة الأميني): 58 ـ 73.

[الصفحة – 223]

كتاب مستقل في هذا الموضوع، وأخيراً ضاع الجميع، فضاعت فرص الاستفادة من معارف وحقائق كثيرة كانت ستعود على المسلمين جميعاً بالنفع العميم.
في واحة التحقيق
أما التحقيق الذي اُجري على الكتاب من قبل مركز الغدير للدراسات الإسلامية التابع لمؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) في مدينة قم المقدسة، فقد بذل فريق التحقيق جهوداً عظيمة في هذا المجال، وأعملوا أقصى الطاقة والوسع في التصحيح والتنقيح والتدقيق، ومطابقة النصوص والمصادر على اُصولها المتداولة اليوم، وكان لمتابعة شيخ المحققين السيد عبدالعزيز الطباطبائي العمل التحقيقي الأثر الكبير في ترشيده وتقويمه على مدى المجلدات الثلاث الأُولى وقسماً من المجلد الرابع، حيث اخترمته المنية والجزء الرابع بين يديه لم يتمه، فكانت آخر أثارة له وضعها في هذا الجزء على الصفحة (265). فخسره العالم الإسلامي، وخسرته الحوزة العلمية اُستاذاً محققاً من الطراز الأول، وخسرته بقية أجزاء موسوعة (الغدير) مستدركاً، ومعلّقاً، ومقوّماً. فكان بحق مجهوداً علمياً كبيراً يرفد العمل التحقيقي بالملاحظات والتحقيقات القيمة.
وعلى أي حال، فرغم ما بذله فريق التحقيق من جهد، وما صرفه من وقت في إنجاز العمل على أتمّ وأحسن وجه، إلاّ أنه بقيت هناك اُمور تحقيقية لم تدرك في حينها، واُمور عديدة لم يمكنهم معالجتها، قام كاتب هذه السطور بالتقاطها وتسجيلها حين قيامي بإعداد مجلدي الفهارس الفنية، فتجمعت حصيلة وافرة من الملاحظات التحقيقة الدقيقة والحساسة، حيث أمكن تدارك قسم كبير منها في الطبعة الثانية التي صدرت عام (1424هـ / 2004م)، ولهذا وُسِمَت بأنها تشتمل على تصحيحات وإضافات تحقيقية مفيدة. وبقي قسم آخر لم يمكن تداركه؛ لأن ذلك من شأنه أن يُحدث إرباكاً وتغييراً في صفحات أجزاء هذه الطبعة، فتتباين مع الطبعة الاُولى، ثم إن الفهارس الفنية تمّ إعدادها بما يوافق أرقام صفحات الطعبة الاُولى، ولهذا تعذّر إجراء جميع الملاحظات، وإدخال كل التعديلات؛ لئلاّ يختل نظام الفهارس الفنية.
________________________________________

[الصفحة – 224]

وعليه، ومع صدور الطبعة الثالث المحققة، رأيت من الوفاء لهذا الكتاب القيّم، الذي بذلت فيه شخصياً جهداً مضاعفاً استثنائياً من أجل تدارك ما أحدثته زحمة الأعمال، أو ملابسات التأليف من جهة، وضخامة الكتاب وكثرة المصادر وتنوعها من جهة اُخرى، رأيت أن أعقد ـ وأعلم مسبقاً أني لست بمستوى من يعقد ـ قراءة لهذه الموسوعة العظيمة، بل يصح أن يقال إنها عرض لهذه الموسوعة، رغم أن في بعض جوانبها ما هو قراءة وتقييم، فلعل قارئاً في المغرب أو المنامة، لم يصل إلى مسامعه اسم (الغدير)، ولا درى أن موسوعة بهذا الحجم، وبهذه الضخامة، وعلى هذا القدر من الموضوعية والبحث العلمي، المدعوم بالدليل والبرهان من القرآن الكريم، والسنة الشريفة الصحيحة، والتاريخ الحقيقي، والأدب الصادق، وبهذا النفس الطويل من الصبر والأناة في مناقشة مواضيع حساسة ومعقدة، دون الإخلال بمنهج البحث، أو الخروج عن أدب الحوار الناقد البنّاء..
أقول: لعلّ في المعاصرين من طلاّب الحقيقة، ومنتشدي التاريخ الصحيح، ومن المتتبعين أو المتلمسين لآثار الصواب ومكامنه، من لم يتناهى إلى سمعه، ولا أسعفته مطالعاته أنّ موسوعة في واقعة الغدير وحديثها قد رُقمت، بهذا الأُسلوب الأدبي الرفيع، والبلاغة المتميزة، وكان صدورها ما بين عامي (1945 ـ 1956م).
واليوم إذ يمرّ نصف قرن على صدور آخر أجزائها، فهي ما تزال تتألق حيّة نابضة تحاكي باحثي هذا العصر، وتسطيع خطاب مثقفي المستقبل، وتجيب عن تساؤلات، وتستجيب لحاجات المطالع العادي منهم والمتخصّص، وكأنها بنت يومها أصالة وشفافية، لا يعتريها قدم الزمان، ولا يعوزها الدليل القاطع والبرهان.
ومن هنا أيضاً، حدت بنا رغبة التواصل بين أبناء المذاهب الإسلامية، ومسؤولية الإشادة بالحقيقة ورفع أعلامها، إلى عقد هذه القراءة، والتعريف بهذا الكتاب البالغ القيمة والأثر.
جولة سريعة في تضاعيف الموسوعة:
قبل أن نشرع بالمرور على أجزاء الكتاب في استعراض سريع ـ رغم أن قلمي
________________________________________

[الصفحة – 225]

كليل عن إبراز جزء من ذلك الجهد الجبار الذي قدّمه المؤلِّف لعشاق الحقيقة، وصبّهُ في أجزاء موسوعته، وعلى مدى أحد عشر جزءاً ـ نُلفت أنظار القرّاء إلى أن الموسوعة قد بلغت صفحاتها وفق طبعتها المحققة الثالثة، التي نقوم بقراءتها في هذه العجالة، بلغت أكثر من (8000) صفحة بقليل، توزّعت على (14) مجلداً كالتالي:
543 صفحة المجلد رقم (1) المقدمة، والذي تضمّن دراسة مستفيضة حول الكاتب والكتاب.
6385 صفحة أصل كتاب (الغدير) بأجزائه الأحد عشر.
1083 صفحة المجلدان رقم (13 و 14)، وقد تضمّنا الفهارس التفصيلية.
105 مجموع شعراء الغدير المترجمين في الموسوعة إلى منتهى الجزء الحادي عشر، ويبدؤون من القرن الأول وحتى القرن الثاني عشر.
كما أن الموسوعة علاوة على أصل موضوعها (حديث الغدير)، فقد ناقشت أبحاثاً في غاية الأهمية، وُضعت فيها النقاط على الحروف بكلّ دقّة وجرأة، فكانت بلسماً على الجرح العميق الذي أحدثه الظلمة في جسد الأُمّة الإسلامية الواحدة، ففرقوها طرائق قدداً، هذا سنّي، وهذا شيعيّ، و…، ومن تلك الأبحاث ما سوف تطالع عناوينها في خاتمة هذا المقال.
المقدمة:
انعقد المجلد الأول (المقدمة) على ستة محاور، تصدّر هذا المجلد أول المحاور، والذي تمثل بتقدمة للشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي، ألقى من خلالها ضوءاً على الحادثة والحديث، هذه الظاهرة العلمية والفنية المتميزة في عالِم التأليف، هكذا وصف الفضلي الكتاب، وهنا يختصر منطلقات الحادثة في نقاط، كما يختصر منطلقات ومواصفات دراسة الحديث، أيضاً في نقاط، ثم ألقى جولة سريعة في منهج الموسوعة ومادتها، وراح يلخص:
أولاً: عناصر البحث العلمي التي توافرت في شخصية العلاّمة الأميني، نجملها في النقاط التسع التالية: 1 ـ المنهجية. 2 ـ الموضوعية. 3 ـ الصراحة. 4 ـ الشجاعة في
________________________________________

[الصفحة – 226]

الدفاع عن حقّ أهل البيت (عليهم السلام). 5 ـ الدعوة إلى الوحدة الإسلامية. 6 ـ المثابرة والصبر. 7 ـ الموسوعية في الثقافة. 8 ـ أُسلوب التعبير. 9 ـ ثوابت البحث الإمامي.
ثانياً: الخطوط العامة لمادة الموسوعة، فقد لخّصها في: 1 ـ نقد الكتب. 2 ـ ردّ الشبهات والمفتريات حول التشيع والشيعة. 3 ـ كشف الأخطاء والمفارقات. 4 ـ دراسة موسعة في المناقب. 5 ـ دراسات موسّعة أُخرى.
أما صفحات من حياة العلاّمة الأميني، وتعريف بكتاب الغدير فهما المحوران التاليان، وقد عُقدا ليكونا مقدمة للدخول إلى محور آخر يشتمل على الاستعراض الموسّع والشامل لهذه الموسوعة بقلم الأستاذ الأديب الكاتب كمال السيد (السيد عباس الموسوي)، بعد أن كان قد صدّر دراسته بمقدمة، ثم لمحة خاطفة عن مدينة العلاّمة الأميني التي احتضنت ولادته، مدينة الأبواب التسعة.. تبريز، مهد الأميني، ومدينة الملاحم والبطولات التاريخية.
ثم يمهّد الأُستاذ الكاتب لاستعراضه في الموسوعة بحثاً متميزاً رآه ضرورياً قبل الولوج في بحث الغدير والموسوعة، ذلك هو البحث الأكثر تعقيداً، وهو: الإمامة.
فقد رأى أن يبدأ بتعريف هذا المصطلح قبل الخوض في أي موضوع يرتبط به. ثم عقد بحثه المفصل هذا على المحاور التالية:
1 ـ الإمامة في تاريخ الإسلام. 2 ـ ضرورة وجود الإمام.. الأدلة. 3 ـ خصائص الإمام. 4 ـ منظومة الفكر الإمامي.
أما خامس المحاور، فقد ضمّ إليه الرسائل والتقاريظ التي كان العلاّمة (رحمه الله) ينشرها تباعاً في مفتتح أجزاء كتابه أو في خاتمتها، كلها جُمعت هنا في موضع واحد تباعاً حسب ورودها، فبلغت في مجموعها أكثر من (56) تقريظاً نثراً وشعراً.
ثم كان ختام المجلد بمصادر التحقيق، التي انتضمت وفق حروف الهجاء، حتى وصل مجموعها إلى (928) مصدراً.
الجزء الأول قراءة متأنية:
ولا نطيل على القارئ الكريم، حيث نرد معه إلى رحاب الجزء الأول، والذي
________________________________________

[الصفحة – 227]

رَدِف المقدمة سابقة المجلدات، فكان مصلِّيها.
وهو أهم أجزاء الموسوعة ومفتتحها، ويمثل المحور الذي عليه مدار أصل البحث، فقد تناول دواعي كتابة التاريخ الصحيح، ثم شرع ببيان أهمية واقعة الغدير تأريخياً، وبعد أن رسم للقارئ مشهداً خلاّباً للواقعة عبر سلسلة من المحطات بدأها منذ خروج الرسول الأكرم (رضي الله عنهم) من مهجره، وأذانه في الناس بأنه عازم على حج هذا العام، وهو المصادف للسنة العاشرة من هجرته، وهي الحجة الأُولى والأخيرة له (رضي الله عنهم)، ولم يخرج حتى أعدّ لها عدتها وعديدها، وكأني به على علم مسبق بمجريات الأحداث قبل وقوعها.. ثم أتمّ حجته وعاد قافلاً إلى المدينة، حتى إذا وصل الجحفة مفترق الطرق، والمكان الموعود الذي فيه (غدير خم) أناخ فيه رحله، وانتظر فيه يوماً أو بعض يوم؛ لحين عودة السابق، ووصول المتأخر.
إجراء لافت للنظر، ومثير للتساؤل، والحشود المؤلَّفة تهمهم حواليها تريد معرفة القصد والغاية.. لكن لا أحد يعلم بعدُ ماذا يريد الرسول (رضي الله عنهم)، وما عساه فاعل، والرمضاء تلتهب تحت الأقدام، وشمس الصحراء تلفع الأبشار فتسحمها.. حتى إذا استشعر (رضي الله عنهم) أن الجمع قد اكتمل، وأن شتات الحجيج، وتناثر أوصال الركب قد أُعيد شمله، وأضحى الجمع الحاشد يملأ الوادي الفسيح، وغدا الصحب وكبار رجالات القوم يتمركز حول الغدير، حيث محط رحال الرسول الأكرم (رضي الله عنهم)، ولولا جمعهم الهائل الكبير لرأيتهم كيعاسيب النحل يتكاثفون حول مركز الرسالة والصادع بها.. لكنها أُلوف قد ملأت الفيافي برواحلها وثقلها..
الكل يترقّب، والآذان صاغية لسماع أول نداء يصدر، فالجموع كانت تتلهف ساعة بعد ساعة لمعرفة المصير، والهدف من هذا الوقوف المباغت.. وهذا التجميع لشتات الحجيج المتناثر.
وهنا يهدر نداء التكبير بـ (الله أكبر) مؤذناً بصلاة الظهر.. حتى إذا تمّ أداؤها، اعتلى الرسول المصطفى (رضي الله عنهم) الأكوار؛ ليبلّغ ما أُنزل إليه من ربّه.. وتطاولت الأعناق، وامتدت الرقاب، وشخصت الأبصار، ووقف المئات على أطراف الأصابع، كي يتحققوا النظر، فإن النبي (رضي الله عنهم) يرفع يد عليّ بن أبي طالب الواقف إلى جانبه..
________________________________________

[الصفحة – 228]

وهكذا يستفيد العلاّمة الأميني من أُسلوبه الأدبي الرفيع ليكمل المشهد حتى نهايته من الخطبة البليغة المؤثرة، وحتى البيعة، ووقوف حسان الشاعر مرتجلاً ومؤرخاً ذلك المشهد الولائي الخالد، بأبيات حفظها التاريخ للأجيال:
يناديهم اليوم الغدير نبيّهـم بخمٍّ فأسمِع بالرسول مناديا
ينتقل بعدها الأميني إلى إطلاع قرّائه بصفحات قلائل لا تعدو الثلاث، بأُسلوبه المتميز الرائق مدلاً على العناية بحديث الغدير؛ لينتقل مباشرة إلى استعراض رواته جيلاً بعد جيل من الصحابة والتابعين، ثم طبقات الرواة من العلماء مبتدئاً بهم من القرن الثاني، وخاتماً بهم القرن الرابع عشر، حتى أوصلهم إلى (360) راوياً؛ ليكون المجموع مع طبقتي الصحابة والتابعين (554) راوياً.
وهنا، تتجلى قدرة العلاّمة الأميني في الاستقراء، وهي قدرة متفوقة في التتبع والمتابعة بغية الاستيعاب والشمولية، وجدارته ومكنته من جمع هذا العدد الكبير من الرواة لحديث واحد، وهو رقم لم يتوفر عليه أحد قبله.
ولقد أراد المؤلِّف إثبات بصماته الإبداعية على كل صفحة من صفحات كتابه (الغدير)، فلم يكد ينهي الرواة، حتى راح يستعرض هذه المرة المؤلفون في هذه الواقعة، ممن أفرد لها كتاباً خاصاً، ومن مختلف المذاهب، بادئاً بابن جرير الطبري، ومختتماً بالسادس والعشرين الخسروشاهي التبريزي المعاصر للأميني.
ويأبى العلاّمة أن يكتفي بهذا السيل من الرواة والمؤلفين، حتى يأتي بوثيقة أُخرى من وثائق الإثبات التاريخية، فيعتمد مناشدات الإمام عليّ (عليه السلام) نفسه واحتجاجاته كوثيقة تاريخية دامغة لا تقبل الشك والترديد، وكذا احتجاج السيدة الزهراء (عليها السلام)، وسبطي رسول الله (رضي الله عنهم)، والعديد من الصحابة بهذه الواقعة التي نصّت على خلافة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وإمامته بعد النبي (رضي الله عنهم)، وراح يستقصي تلك الاحتجاجات ويستعرضها، حتى إذا أوصلها إلى (22) احتجاجاً، وهذا الأخير هو احتجاج المأمون الخليفة العباسي على أربعين من الفقهاء، وكان على رأسهم وكبيرهم إسحاق بن إبراهيم ابن حمّاد، وهو احتجاج طويل غزير الفائدة جداً، عميم النفع.
ثم استعرض عدداً من الآيات (3) التي أشارت من قريب أو بعيد إلى واقعة
________________________________________
(3)من تلك الآيات: آية التبليغ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (المائدة: 67). وآية إكمال الدين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (المائدة: 3). وآية العذاب الواقع: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ الله ذِي الْمَعَارِجِ (المعارج: 1 ـ 3).

Loading