الإجماع بذاته ليس دليلاً كاشفاً عن الحكم الشرعي، فهو حجة في أفضل أحواله إذا كان إجماعاً تعبدياً وهو غير محرز، فإجماع المتقدمين مجرد حالة وصفية لموقفهم في مسألة معينة مع اختلافهم في الدليل، وليس الإجماع نفسه دليلاً. ولا قيمة للإجماع إذا كان ناشئاً عن احتياط أو عن مستند ودليل، إذ الحجية للدليل لا للإجماع، وما يساق في الاستدلال على هذا الحكم هو الإجماع المدركي الذي يفتقد للقيمة العلمية. وغاية ما يمكن الاستدلال به على بطلان وحرمة نكاح المسلمة من الكافر الكتابي، قوله: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} البقرة :221. وقد وردت بعض الروايات في إثبات أن الآية من سورة البقرة منسوخة بقوله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ..}. وسورة المائدة هي آخر السور نزولاً، وتوجد طائفة أخرى من الروايات تثبت أن آية المائدة منسوخة بآية البقرة. وعلى فرض التكافئ بين الطائفتين من الروايات وحصول التنافي والتعارض المستقر، فالمرجح في هذه الحالة هو العرض على كتاب الله تعالى، ومقتضى النظر في الآيات أنها ليست متنافية وإنما بينها إطلاق وتقييد، فالمستثنى من الآية في سورة البقرة ومن قوله {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} الممتحنة: 11. خصوص زواج المسلم من نساء أهل الكتاب دون زواج المسلمة من الكافر. على أن استفادة جواز زواج المسلمة من الكافر الكتابي بتقييد الحرمة بالكافر الحربي مجال واسع، كما أن تقييد الآيات الناهية من الزواج بالكافر الكتابي بزمان معين دون استفادة الإطلاق منها ممكنٌ إذا توفرت شروط وظروف ذلك بحيث تنتج لنا هذه الظروف ضمان عدم تأثر المسلمة بعقيدة الكافر الكتابي ودينه، ما يعني أن الحكم مقيد بقيود لُبيّة وهي الظروف الثقافية والفكرية والدينية المانعة من جواز زواج المسلمة من الكافر الكتابي، وذلك لضعف ثقافة المرأة المسلمة في تلك العصور وعدم معرفتها وإحاطتها بأمور دينها فمن المحتمل أن تقع تحت تأثير ثقافة زوجها الكافر، خصوصاً إذا لاحظنا أن أهل الكتاب كانوا يشكلون المرجعية الفكرية للمسلمين أيضاً وكان النبي يخشى من تأثر المسلمين بثقافة الكفار لذا وضع حواجز نفسية من خلال بعض الأحكام الولائية لمنع الاختلاط بهم لتفادي مشكلة التأثير، ومع انتفاء هذه الشرائط والحالات وتمكّن الإسلام في قلوب المسلمين وصلابة عقيدتهم وفتح قنوات في مواقع التواصل وغيرها للمناظرة والمحاورة من النساء والرجال في عقيدة الآخر ودينه، يمكن القول بصحة الزواج مع ضمان عدم التأثر وحفظ هذه الخصوصية. ولكن الإفتاء بشكل عام لا يخلو من ترتب بعض المفاسد على ذلك، وربما تتذرع المرأة المسلمة بقوة إيمانها وصلابة عقيدتها وحاكمية التعايش وهي لا تفقه أبسط أمور دينها، فتقع في شراك تسويلات الشيطان ومتاهات النفس الأمارة بالسوء والرغبات والشهوات والتسامح في مراعاة الشروط بحكم الاختلاط وإقامة العلاقات الاجتماعية، لذا نفتي بعدم صحة زواج المسلمة من الكتابي ابتداءً وحدوثاً على الأحوط وجوباً. ولكن نصحح هذه العلاقة الزوجية بقاءً واستمراراً فيما لو كانت حياتهما مستقرة من جميع النواحي ولا تعاني المسلمة اضطهاداً فكرياً أو عقدياً.