السؤال :
هل الحكم في الآية المباركة: { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}. النساء: 11، حكم ثابت ومطلق لجميع العصور والأزمنة أم أنه حكم متغير تابع لظروفه وشروطه المأخوذة موضوعاً في ثبوت الحكم، لاسيما بعض المسلمين يعيشون في بلاد الغرب اليوم ويفرض القانون عليهم المناصفة في الإرث لو مات أحد الزوجين، كما إن بعض البلدان العربية كتونس قد شرعت قانوناً يقضي بتساوي الإرث بين الذكر والأنثى، فما هو رأيكم في ذلك؟
الجواب :

النص القرآني نصٌ إلهي وحياني، واجتهاد العلماء في فهم النص الديني بالتدقيق والتأمل والاستنتاج وفق آليات العصر يعدّ اجتهاداً مشروعاً ما لم يكن مخالفاً  لصريح الكتاب والسنة القطعية. نعم قد يكون النص صريحاً ولكن هناك شروطاً اجتماعية وثقافية أخذت قيداً فيه، وعادة مثل هذه الشروط والظروف التاريخية لا تذكر في لسان النص، ومن أهم وظائف المجتهد أن يقرأ شرائط وظروف الثقافة الاجتماعية الحاكمة في عصر صدور النص ليتم قراءة النص في ضوء تلك الظروف وتشخيص صلاحية الإطلاق في الحكم أو التقييد. وقد ثبت لنا من خلال معطيات التحقيق والمراجعة للنصوص إن الحكم المذكور في الآية ليس حكماً دينياً ثابتاً، وإنما هو حكم اجتماعي تابع لظروف تلك المجتمعات وحاكمية نمط خاص من الثقافة والعادات الاجتماعية، ومنسجم مع طبيعة المجتمع عصرئذٍ، حيث يتحمل الرجل كل نفقات المرأة تحت اقسى الظروف وليس للمرأة دور سوى داخل بيتها من تربية أولادها وإدارة بعض شؤونهم، فجاء حكم مضاعفة حصة الرجل على المرأة تعويضاً لما يبذله الرجل من أتعاب في تأمين الجانب الاقتصادي. ولا يمكن إجراء الاطلاق والشمول في مثل هذه الأحكام لزمان آخر ما لم تتحقق شرائط موضوع الحكم بذاتها. فإن لكل زمان فهمٌ للنص ينبع من محيط المجتهد الثقافي والاجتماعي والعلمي والأدوات المعرفية في عصره، ولا يمكن للفقيه أن يجرد ذهنه من التفاعل مع هذه الأدوات والمؤثرات الخارجية والداخلية في فهمه. مضافاً إلى أن اللغة وليدة المتغيرات الفكرية والثقافية عبر التاريخ، وهي مؤثرة في فهم النص الديني من زمان لآخر. إلا أن الإفتاء بتساوي الذكر والأنثى في الميراث يعتمد على نضوج المجتمع بحيث ينظر إلى المرأة على حد نظره للرجل في أغلب الحقول المعرفية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمعيشية، وهي غير متوفرة في أغلب مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، ويحتاج الإفتاء في ذلك إلى ملاحظة الدراسات الاجتماعية للمجتمعات ومعرفة مستوى تطورها ونموها الإنساني والمعرفي والثقافي والعلمي بحيث تتساوى فيه المرأة إلى جانب الرجل في عموم الحقول. وأما المسلمون القاطنون في بلاد الغرب، والذين يمنحون الإقامة أو الجنسية في البلد المقيمين فيه، فإنه يشترط عليهم قبل منحهم ذلك الالتزام بمقررات وقوانين البلد وعدم مخالفتها كشرط في منحهم الإقامة أو الجنسية، وقبولهم بمجمل القوانين بمنزلة الشرط الضمني بالتزامهم بهذه القوانين والمقررات، فهي ملزمة لهم ونافذة عليهم، لعموم قوله: {أوفوا بالعقود}، وقوله: {المؤمنون عند شروطهم}.