السؤال :
هل القوامة التي ذكرها القرآن من الأحكام الثابتة أم المتغيرة؟ وإذا كانت من المتغيرات فما هو ملاك تغيرها؟
الجواب :

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}. النساء: 33. إنّ المراد من القيمومة هو: إدارة شؤون البيت وتحمل مسؤولية الأُسرة من الإنفاق وسائر ما يحتاجونه من الضرورات الحياتية، بما في ذلك شؤون الزوجة. وهي من الأحكام الاجتماعية الأسرية، وأحكام الأسرة في الغالب أحكام تابعة للزمان والمكان. فالقوامة تقتضي بعض الأوامر والنواهي من أجل الحفاظ على الأسرة ووجوب والطاعة من قبل الزوجة وسائر أفراد الأسرة، وهذا لا يدل على سلطنة الزوج بنحو مطلق على المرأة أو أن له الولاية العامة على زوجته، أو وجوب طاعتها له في جميع الشؤون، فالطاعة له واجبة فيما يرتبط بالتدبير وبعض الأمور فيما لو كان هو القيّم على الأسرة، ولا يحق له أن يجرّدها حريتها الشخصية وحقوقها الشرعية واستقلالها. كما يلزم الرجل كذلك الانقياد لتدبير المرأة فيما لو كانت هي القيّم على الأسرة، كما في ثقافة بعض مجتمعاتنا المعاصرة، أو لبعض الأسباب كالمرض والعجز والفقر وما شابه ذلك. وقد تكون القيمومة مشتركة بينهما، كما في كثير من العوائل التي ينفق فيها الرجل والمرأة لإدارة شؤون الأسرة، ففي مثل هذا الحال لا يستقل أحدهما باتخاذ القرار. والدليل على ذلك ذيل الآية: {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، فالقيمومة الذكورية ليست أفضلية تكوينية على المرأة، وإنما هي تشريع اجتماعي تاريخي، فالآية بصدد ذكر المصداق البارز في ذلك الزمان في النظام الاجتماعي القائم، حيث أن القوامة غالباً بيد الرجل؛ لحاكمية الثقافة الذكورية في المجتمع آنذاك وهيمنته على المرأة في جميع الأمور، فهو الذي يتولى إدارة شؤون أسرته لاختصاصه في تلك العصور بالكدح والعمل والتكسب والتعلم، وأن عقله الاجتماعي التدبيري والثقافي والفكري والاقتصادي والعلمي أقدر على إدارة الحياة الأسرية والحفاظ عليها، أما المرأة في النظام الاجتماعي القديم، فهي ضعيفة وفي عداد الأميين من كل النواحي المالية والإدارية والثقافية والفكرية والاقتصادية نتيجة إبعادها وإقصاءها اجتماعياً عن مزاولة التعليم والعمل والقيمومة لا لقصور تكويني في شخصيتها. وهذه الثقافة قد تتغير من زمان إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، وقد تكون كذلك، وقد تكون بنحو الشراكة والمناصفة كما نعتقده في عصرنا الحالي. ولا يحقّ للرجال في عصرنا بعد تغير النمط الاجتماعي والثقافي والفكري والاقتصادي والإداري للمرأة وبعد أن أتيحت لها فرصة التعلم والتعليم في مختلف الحقول العلمية وشاطرت الذكور في مختلف أعمالهم وأدوارهم أن يعاملوا المرأة كتعامل المجتمع الذكوري لتواضع إمكانياتها. ولابد أن تعطى حقوقها بما يتناسب مع مكانتها ودورها الفاعل في الوضع الراهن، وربما استحقت أكثر من الرجل. وهذا هو ملاك القوامة، فإذا كانت المرأة أقدر وأكفأ وأنضج فكرياً وعلمياً واجتماعياً من الرجل في إدارة الأسرة وأنضج وأكثر مكنة مالياً وتنفق على زوجها وأولادها فهي أحق بالقوامة. بخلاف ذلك إذا جعلنا الحكم ثابتاً مع تغيّر الأوضاع والحالات، فلا يمكن أن نحافظ على النظام الاجتماعي من التفكك، لأن لكل مجتمع نظمه الخاصة به، وهي متغيرة بتغير مقومات المجتمع الثقافية والفكرية. بل يحق للزوجة الامتناع عن التمكين فيما لو نشز الزوج ولم يقم بمقتضيات القوامة من النفقة والتدبير والعكس صحيح. والغالب في عصرنا أن القوامة مشتركة بين الرجل والمرأة في إدارة البيت.