لمّا كان الشهود العرفاني إدراكاً باطنيّاً وشخصيّاً محضاً، فإنّ تفسيره الذهني ونقله إلى الآخرين يتمّ بواسطة الألفاظ والمصطلحات، والالتفات إلى أنّ كثيراً من الحقائق العرفانيّة أرفع من مستوى الفهم العاديّ، فلابدّ من استخدام مفاهيم دقيقةٍ واصطلاحاتٍ مناسبةٍ حتّى لا تؤدّي إلى سوء فهمٍ معكوس، ومن الواضح أنّ تعيين المفاهيم الدقيقة يحتاج إلى ذهنٍ متمرِّسٍ قد تعوّد على معالجة المسائل الوجوديّة والفلسفيّة.
فإذن هذا الكتاب الذي بين يديك إنّما هو عرضٌ موجزٌ لأهمّ مسائل علم العرفان النظريّ وأمّهاتها، والتي يمكن من خلال التعرّف عليها الوقوف على الصورة التي يرسمها العارف لنظام الوجود وهندسة الرؤية الكونيّة، وبذرتُه عبارةٌ عن عدّة مطالب كان سماحة السيّد كمال الحيدري (حفظه الله تعالى) قد تعرّض لها ـ إجمالاً أو تفصيلاً ـ في بعض كتبه وأبحاثه ذات العلاقة، حيث قام أحد طلابه الفضلاء بتتبّعها وتقصّيها واستخراجها ثمّ ترتيبها وتنظيمها وتبويبها وإضافة ما يجب إضافته لها من مطالب ومقدّماتٍ ومصادر واقتباساتٍ -إيناساً للذهن بلغة العرفان- فظهر الكتاب بهذا الشكل الذي ترى خالياً من الإطناب المملّ والإيجاز المخلّ، حقيقاً به أن يكون دورةً دراسيّةً متوسّطةً في مادّة العرفان النظريّ، لمن رام أن يقف على عيون مسائل هذا العلم وأمّهاتها.
يحتوي هذا الكتاب على مقدمة و ثلاثة ابواب أساسية، كالتالي:
الباب الأول: مقدمات منهجية و تمهيدية.
الباب الثاني:حقيقة الوجود وأحكامه.
الباب الثالث: نظام الوجود في الرؤية العرفانية.