لا يجوز ذلك، ويبطل التصرّف بالوقف في غير الجهة التي وقف عليها . ومع الاضطرار إلى البيع أو التبديل يُرجع إلى المتولي إن وِجد، وإلا إلى الحاكم الشرعي .
يُعتبر في الوقف الشرعي الصحيح عدّة أمور:
الأوّل: كمال الواقف، بالعقل والإختيار وعدم الحجر لفلسٍ أو سفه. ويصحّ الوقف من الصبيّ المميّز إذا كان واقفاً على مثل هذه المعاني ومدركاً لها.
الثاني: الإنشاء، فلا يكفي في تحقّق الوقف مجرّد النيَّة، بل لابدّ من إنشاء ذلك بمثل: وقفتُ، وحبستُ ونحوهما ممّا يدلّ على المقصود. كما أنّه يقع بالمعاطاة، مثل أن يبني داراً للفقراء أو حسينيّة للمناسبات أو مسجداً.
الثالث: القبض؛ أي قبض الموقوف عليه أو من يقوم مقامه، فلو لم يتحقّق القبض، لم يتمّ الوقف، ويكفي في الوقف الذُري قبض الطبقة الأولى .
الرابع: التنجيز، فلو علَّقه على شيء، بطل. ولو قال: هذا وقفٌ بعد وفاتي، فإن قصد الوصيّة بالوقف، صحّ، وإلّا بطل.
الخامس: إخراج الواقف نفسه عن الوقف. فإذا وقف على نفسه، أو على نفسه وغيره على نحو التشريك، بطل في حصّة نفسه، وصحّ في حصّة غيره.
السادس: التأبيد، فلا يصحّ الوقف إذا كان محدّداً بزمانٍ ولو كان طويلاً. كما لا يصحّ حبساً، لأنّه لم يقصده.
يجوز للواقف جعل الولاية على الوقف لنفسه ولغيره، على وجه الاستقلال وعلى وجه الإشتراك. كما يحسن به جعل الولاية المستمرّة جيلاً بعد جيل، إذا كان المتوقّع من الوقف استمرار المنفعة. كما يجوز له أيضاً جعل الناظر على الوليّ، بمعنى المشرف عليه، أو بمعنى أن يكون هو المرجع في النظر والرأي، ولا فرق في المجعول له الولاية والنظارة بين العادل والفاسق. نعم، إذا خان الوليّ ضمّ إليه الحاكم الشرعيّ من يمنعه عن الخيانة. فإن لم يُمكن ذلك، عزله. وفي حالة عدم جعل ولي على الوقف من قبل الواقف، تكون الولاية للحاكم الشرعي، إلا أن يكون الوقف خاصاً وعلى نحو التمليك ،فتكون الولاية للموقوف عليهم.
إذا كانت هناك خصوصية في الوقف، فالواجب التقيّد بها، كما لو أوقفوها على النساء والرجال لا خصوص النساء، وأما إذا كان مقتضى الوقف هو إحياء الشعائر الحسينية من دون لحاظ خصوصية، فلا إشكال في تخصيصها للنساء لنفس الغرض، ويكتفى بالمتولي المُعيّن من قبل الحاكم الشرعي، إن لم يكن هناك متولي معين للوقف القديم، كما يجوز للحاكم تغيير الواقف إذا كانت له أهلية أكثر أو مساوي للمتولي المُعيّن.
إذا أُعطيت للمتولي مثل هذه الصلاحية جاز له ذلك، وإلا وجب صرف المنافع بما يعود لصالح الوقف، أو يرجع إلى الحاكم الشرعي في مثل هذه التصرفات.
يجوز للواقف بعد انعقاد الوقف وتماميته تغيير المتولي على الوقف، بشرط أن يكون المتولي الجديد أكفأ وأحسن من السابق، ولا يصح إذا كان أقل من السابق كفاءةً وديناً وأمانة.
الواجب صرف المنافع الموقوفة فيما وقفت عليه، ولا يجوز صرفها في غير ذلك. نعم، إذا احتاجت الأعيان الموقوفة إلى التعمير والإصلاح، جاز الأخذ من نماءها لتعميرها، وإذا كانت العين الموقوفة بحاجة إلى تعمير بحيث لولاه لما أمكن الانتفاع بها وصرف منافعها للموقوفة له، جاز له صرف منافع أحدى الموقوفات على الأخرى إن كان الوقف على نحو تعدّد المطلوب ـ كما هو الغالب ـ وإن كان الوقف على نحو وحدة المطلوب، لم يجز التصرف والصرف على الموقوفة الأخرى.
يجوز ذلك وتُصرف الأجور على العين الموقوفة وشؤونها.
لابد وأن يكون تصرف المتولي عائداً بالنفع والمصلحة على الوقف والجهة الموقوف عليها. نعم، إذا تعذّر الانتفاع بها في الجهة المقصودة للواقف؛ لخرابها وزوال منفعتها، جاز بيعها وعمارة الباقي للانتفاع به. فإن لم يُمكن ذلك، جاز بيعها وتبديلها بما يُمكن الانتفاع به للموقوفة. نعم، إذا علم أن الواقف أوقف السلعة للمسجد على نحو وحدة المطلوب ولا يقبل ببيعها واستبدالها ولم يمكن الإنتفاع منها، بطل الوقف ورجع الملك إلى الواقف أو ورثته.
إذا كانت ولايته مختصة بجهة معينة، فلا يحق له إعمال التوليه على غير تلك الجهة، وإن كانت التولية مطلقة على المسجد، فمن حقه تعيين إمام الجماعة أو الجمعة، ويمكن الحكم ببطلان الصلاة من جهة عدم جواز التصرف في الوقف من دون إذن المتولي وإن كانت صحيحة من سائر الجهات. نعم، إذ كان منعه اعتباطاً وعبثاً مع توفر الشروط في إمام الجمعة والجماعة فلا يحق له منعه إذا لم يمنع عن إذنه شروط معتبرة في التولية.
حدود ولاية المتولّي والناظر يحددها الواقف ومن أعطاه التولية، أما إذا لم يحدد صلاحياته، فإن ولاية المتولّي تقع ضمن المتعارف. وعليه مراعاة ما يكون في مصلحة الموقوف عليهم، فلا يحق له منع الناس أو شريحة منهم من أداء الصلاة بذريعة أنهم لا يقلّدون مرجع المتولّي.
تصرف منافع الوقف الذُّري على ما أوقفه الواقف من ذُريته والبطون المتلاحقة. نعم، لو انقرض الموقوف عليهم، ولم يتعرض الواقف إلى الطبقات المتلاحقة في الوقف، جاز بيع الوقف بعد الاستئذان من الحاكم الشرعي.